طيلة قرون، كانت المرأة السورية تعامل كملكة، وكانت العروس في البيئات السورية المختلفة ترتدي ثوب الملكة، ولو تأملت في صور الملابس التراثية السورية وقارنتها مع التماثيل والنقوش والمنحوتات التاريخية، لوجدت أن ثوب العروس في المناطق الوسطى والشرقية هو ذات ثوب زنوبيا والملكات التدمريات.

كان التاج جزءاً حتمياً من ثوب العروس، وهو عبارة عن (طربوش) عالٍ موشى بالحرير في البيئات البدوية وفي مدن الشمال السوري، ولفة مزخرفة وضخمة في حماة وحمص وريفيهما.

وفي حوران (السهل والجبل) كانت العروس ترتدي المخمل الزاهي وتضع على رأسها غطاءً ضخما يشبه تيجان ملكات روما.

كانت ملابس العروس تتنوع بتنوع البيئات السورية وامتداداتها التاريخية، لكنها جميعاً كانت تحيل إلى لباس الملكات السوريات.

حفل العرس أيضاً كان محاكاة للاحتفاء بالملكة، فكانت العروس -حتى في أشد البيئات فقراًـ توضع على مكان مترفع يشبه العرش، وكان المدعوون ـ وهم آنذاك كل الأقارب والجيران وأهل الحي أو القرية ـ يرقصون ويتحركون حولها كالرعية.

كان من غير اللائق أن تتحرك العروس من مكانها، وكانت تشارك المحتفين بالابتسام المشوب بدموع خجلى، وبتصفيق ترف متثاقل مترفع في بعض الأحيان، وحين تتحرك مرة واحدة لتؤدي رقصة العروس كان الجو يشتعل بالحماس، فالملكة تحركت عن عرشها ونزلت لتشارك الرعية.

مع انحدار الحياة السورية وتلوثها وضياع ملامحها، ضاعت تقاليد العرس، وضاع التبجيل الذي كان للعروس في ليلة عمرها، وانحدر فستان العروس؛ ليصبح تقليداً مفتعلاً دون روح.

وبدءاً من الستينات صارت العروس تقلد ما تراه وتسمعه، وشيئاً فشيئاً صار فستان العروس أبيض متكررا متشابها، دون خصوصية ودون أصالة.

اعتقدت العرائس السوريات أنهن يندمجن بالحضارة وأنهن يرتدين في فرحهن كما ترتدي الأميركيات والأوروبيات، ثم بدأن يتصرفن مثلهن، وتخلين عن اتزان العروس ووقارها.

مع الثورة السورية، ظهر التخلخل المستتر في المجتمع السوري، وبدأت تطفو على السطح ظواهر وتعبيرات ومواقف لم تكن مألوفة ولا حتى متوقعة، وظهر الانقسام الحاد، والتطرف في التعبير عن الموقف وعن الاصطفافات.

بالطبع لم ينج فستان العروس من هذه التغيرات ومن هذه الهزة العميقة، فظهر لدينا ثوبان للعروس، يختلفان باختلاف المجتمع السوري.

الأول ترتديه عروس المخيمات وتجمعات اللجوء وبنات المناطق المنكوبة، وهو غالباً ما يكون ثوب البيت اليومي، فالعروس هنا تخرج (بالثياب التي عليها)، وهو مصطلح يستخدم حرفياً عند الاستجابة لطلب الزواج في هذه البيئات، وغالباً ما يكون هذا الثوب أسود اللون، لأن ما من سوريّة اليوم ليست مفجوعة بأب أو أخ، شهيد أو مفقود أو معتقل.

وغالباً ما تكون هذه الزيجات مرتجلة وسريعة، وتشبه سد الرمق، تحدث لأننا يجب أن نستمر، ويجب أن ننجب بديلاً لمن ماتوا.

فستان العروس الثاني هو الذي بدأ بالانتشار في البيئات الموالية، وقد ظهر لأول مرة في عرس جماعي لمجموعة من ميليشيات الدفاع الوطني، وفيه ارتدت بعض العرائس ثوباً مصنوعاً من قماش عسكري (مرقط)، وسريعاً ما بدأ هذا الثوب بالانتشار، وصار الثوب المفضل لـ "العروس الشبيحة" سيما إذا ما كان العريس مقاتلاً في الجيش أو الميليشيات التابعة له، وغالباً ما يكون كذلك.

بالطبع فقد بات مألوفاً أن ترى على الحواجز وفي الشوارع فتيات يرتدين البدلة العسكرية ويضعن شرائط تشير إلى الجهة التي يتبعن لها (الدفاع الوطني، كتائب البعث..) ويفتشن النساء العابرات وينظرن في حقائبهن، وبعضهن يضعن المسدسات على خصورهن، ويتزيّن بأمشاط الرصاص، وبالطبع ترتدي البنات في حياتهن اليومية الملابس العسكرية، حتى إن بعض مذيعات التلفزيون صرن يفعلن ذلك أثناء تقديم البرامج التعبوية وكجزء من مُناخ عام، ولكن وصول هذا المناخ لثوب العروس هو تعبير اجتماعي يمثل الحد الأقصى مما فعله هذا النظام في سورية.

انحدر كل ما في سورية، انحدر الخطاب، والاقتصاد، انحدرت الكهرباء وسبل العيش، الصناعة والزراعة، والروابط الاجتماعية والآمال. وبالطبع لم ينج فستان العروس، وسلك مسلك الانحدار نفسه، بالسرعة نفسها، والمراحل نفسها، والوجع نفسه، وها هو يرتطم بالقاع، هو والعروس وتاج الشوك وموسيقا الزفة الجنائزية.