نحن كسعوديين، نختزل المشاكل في: شوارعنا، مستشفياتنا، مدارسنا، والكثير من القضايا المحلية التي نعيشها ونقرأها هنا وهناك. إلا أن لا أحد يدرك أن المشكلة الرئيسية لدينا هي: وجود مليون و200 ألف موظف سعودي في القطاع الحكومي ينظرون إلى وظيفتهم الحكومية على أنها "تحصيل حاصل" وأن الإنتاجية أو حسن التعامل مع المواطنين أمر لا علاقة له بـ"الإيمان" أو"الإحسان" أو حتى "الاحترام". سوف نتحدث عن نسبة مئوية لا أعلم كم هي قليلة أو كثيرة، ولكن هذه النسبة، سوف تجدونهم على خلق، لطيفين، ضحوكين، يشمرون عن أكمامهم للوضوء في صلاة الظهر، ولكنهم هؤلاء أنفسهم يجعلون حياة المواطنين جحيما، لأنهم في التكوين النفسي لديهم يرون أن الوظيفة لا علاقة لها بالإيمان، والسلوك الاجتماعي والصلاة وغيرها من القيم الإيجابية التي نؤمن بها ونمارسها. هذا شيء وذلك شيء آخر.

لدي قصة هنا شاهدتها بنفسي، زرت إحدى المؤسسات الحكومية في الرياض، وتعرفت على موظف كبير في السن سوف يتقاعد خلال الأسابيع المقبلة. وجدت في مكتبه ورودا، هدايا، شوكولاته، والكثير من الأشياء التي تبعث البهجة لحظة دخول المكتب. سألت عن السبب فقالوا لي إن هذا الرجل كتب الله له الحب والقبول بين قلوب الموظفين والمراجعين. وهو طوال سنين خدمته في الوظيفة كان مبتسما، ضحوكا، يجري بين المكاتب والمكاتب لإنهاء حاجات المواطنين. سألته شخصيا عن فلسفته في العمل فقال: "أنا أؤمن بأني لست موظفا حكوميا. أنا خادم عند الناس، هذه حاجاتهم وأنا أعمل لديهم وليس لدى الحكومة". هذه النظرة الإنسانية لمهمته في التعامل مع أخيه الإنسان جعلته إنسانا محبوبا، ينال الدعاء من كل حدب وصوب، صحته جيدة، وعائلته أصابها التوفيق في كل شيء كما يقول لي من حيث تعليمهم، وعملهم وعائلاتهم. جعلته ينام الليل هانئا. نسمع كثيرا "جلد ما هو جلدك اسحب عليه الشوك"، وهناك من يتبجح أكثر ليقول للدولة ما هو لك اسحب عليه الشوك ومن هنا على كل موظف حكومي أن يدرك أن سلامه الداخلي لا يمكن أن ينمو ذاتيا، وعليه الاختيار بين أن يكون إنسانا مع الآخرين، أو أن يكون "موظفا" حكوميا يظن فيما يظن أن الصلاة لا علاقة لها بالإخلاص في "الوظيفة"، وأن هذا غير ذاك.