كتب الكاتب المتميز أ. عبدالرحمن مرشود مقالا في صحيفتكم الموقرة تحت عنوان: (ما لا يقال عن نجاح جمعان) المنشور يوم الثلاثاء 25 – 8 – 2015 وأود هنا أن أضع بين أيديكم بعض الملحوظات على المقال وأسأل الله السداد.
أولا: أتفق مع الكاتب أن النجاح لا يمكن تضييقه وإطلاقه على الشهرة أو السلطة أو المال فقط، بل هو واسع، ودعني أعرف لك النجاح كما أراه: النجاح هو أداء متميز في عمل ما أدى إلى أثر إيجابي على الآخرين، وكلمة (أثر إيجابي) يعني أنه أحدث نتائج إيجابية واضحة للعيان وكانت لها أهمية لدى الناس استوجب عليه الشكر والحصول على المال أو السلطة أو الذكر الحسن بينهم. فالداعية الذي أسلم على يديه مئات الناس إنسان ناجح حتى لو كان فقيرا، والأم التي نجحت في تربية أبناء مميزين هي أم ناجحة؛ لأنها قدمت نتائج إيجابية ملموسة، أما تاجر المخدرات ليس ناجحا حتى لو امتلك كنوز الأرض لأن أثره على الآخرين سلبي، ولا نقول إن كل شخص يجب أن يكون ناجحا، لكن كل شخص يجب أن يسعى إلى النجاح بمثابرة ودون كلل أو ملل وعندما لا يحقق نتائج إيجابية فلا داعي للتعاطف معه، فهو بكل وضوح (ليس ناجحا) وعندما نقول إنه (ليس ناجحا) فنحن لا نقول إنه (سيئ) أو (يستحق العقوبة)!
ثانيا: إن التنافس والاحتفاء بالناجحين ممن حققوا نتائج إيجابية هي سنة كونية لا يمكن الوقوف ضدها أو معاكستها. بل إن إعمار الأرض الذي هو المهمة الثانية التي خلقنا الله -عز وجل- من أجلها لا يمكن أن تأتي إلا بتحقيق النتائج. إن الموظف المخلص والأمين ليس ناجحا إلا إذا حقق نتائج إيجابية في عمله، هو مخلص وأمين وصاحب قيم، لكن لا يعد ناجحا إلا إذا تميز عن غيره من الموظفين في النتائج التي يأتي بها آخر اليوم؛ كم عميلا خدم، وكم معاملة أنجز، وكم مشكلة تجاوز؟.
وهذا نراه على المستوى الشخصي فتخيل أن لديك شركة تجارية وعينت لها مديرا. كان المدير مثابرا حريصا مخلصا، لكنه في آخر السنة لم يحقق نتائج مرضية كما فعلت شركات أخرى مشابهة في السنة نفسها. أنا متأكد أنك ستفكر في تغييره مهما كان مجتهدا لأنه لم ينجح. لماذا نطبق هذا على مصالحنا الشخصية ولا نطبقه على المجتمع الذي ننشد له التميز والكمال.
ثالثا: لاحظ أن كلمة النجاح ليست صفة دائمة، بل وصف محدود بالمجال والوقت. والمقصود بالمجال أنني قد لا أكون ناجحا في المجال الإداري -وهذا حقيقي بالفعل- لكن هذا لا يعني أنني لست ناجحا على الإطلاق، بل يعني أنني في هذا المجال لست ناجحا. والنجاح محدود أيضا بالوقت فقد لا أكون ناجحا هذه السنة، ولا يعني أنني سأبقى فاشلا طوال حياتي فكما أن الشركات تتميز حينا -شركة نوكيا مثالا- وتفشل في حين آخر وهكذا. وهذا يعني أن السعي الدائم إلى إيجاد الطرق الذكية لتحقيق نتائج إيجابية هو أمر مطلوب وقد يحولك من فاشل إلى ناجح.
رابعا: عندما نقول (أداء متميز) فهذا يعني أننا قارناه بغيره حتى أطلقنا عليه هذه الصفة، وهذا معيار مهم للنجاح، فلو أن شركة نجحت وأخرى لم تنجح فلا تعنينا التفاصيل، بل نصف الأولى بالنجاح والثانية بالفشل. هذا هو المبدأ الذي أنشئت على أساسه بطولات كرة القدم، والدرجات الدراسية وهو دافع نفسي قوي لا يمكننا إهماله أو التقليل منه، بل يجب توجيهه بشكل صحيح ليزودنا بالطاقة المستمرة لتحقيق النجاح.
خامسا: هل الظروف الخارجية مؤثرة؟ بالطبع مؤثرة لكن هذا لا يهم.. نحن نصف حالة ما ولا نصف الأسباب أو العوامل المؤثرة. عندما نقول إن فلانا لم ينجح فقد لا يكون هذا عيبا فيه، بل قد يكون العيب في الظروف المحيطة. لكن انتبه يجب أن أتأكد -قبل منح الأعذار- أنه بذل كل الجهود الممكنة للتغلب على هذه الظروف؛ لأن الواقع يخبرنا أنك لو تفحصت حال من يرمي فشله على الظروف الخارجية أو تقاليد المجتمع أو .. أو.. لوجدت أنه كان أقل مثابرة وإبداعا من غيره في تخطي هذه الظروف ولا أعمم.
كما لا بد أن نتذكر أن بعض -وليس كل- من وصفناهم بالناجحين تعرضوا إلى ظروف مشابهة لكنهم استطاعوا فعل شيء ما للتغلب عليها.
سادسا: هل المعلومات عن النجاح وأسبابه وظروفه متوافرة بشكل كاف؟ أعتقد أن فهمنا للنجاح يتطور بشكل كبير، فهناك كم كبير من المفاهيم والقواعد التي تفسر كثيرا من قصص النجاح وأتفق أن كثيرا منها استقرائي ولم يخضع للبحث العملي الجاد.
ختاما: هناك شكل آخر -وأكثر أهمية- للنجاح لم نتطرق له وهو النجاح (الأخروي) الذي يقوم على تحقيق مرضاة الله -عز وجل-، وهذا له قواعد وقوانين أخرى مختلفة. شكرا للكاتب على إثارة هذا الموضوع ودمتم ناجحين.