قضيت أوقاتا طويلة في الأيام الماضية في قراءة المفكر التونسي. توقفت عند الردود عليه. ليس في تورطها في إنكار وجود المسائل الصادمة التي يطرحها فحسب، بل وفي طريقة العقل التقليدي وآليات تعاطيه مع أي فكرة تخرج عن هيمنات التأويل السائد.
لذا، كانت غالبية الردود، لا سيما في الحوارات المتلفزة، تنحو منحى اتهامه بالجنون، الهروب نحو اللغة، الهمز واللمز فيما يخص عمره المتقدم، وصولا إلى الشتم المباشر، وانتهاء بزندقته وتكفيره والتي تبطن خلفها إغراء أحد الهمج باغتياله، كما حدث غير مرة، ومع مفكرين من هذا النوع، إذ ترعب أفكارهم ذوي العقل الجامد.
هكذا اغتيل فرج فودة مثلا، وعبدالله القصيمي بُعث إليه بشاب، مكث زمنا وهو يجلس في المقهى نفسه وفي إحدى الليالي، وعند عودة القصيمي إلى بيته وجد هذا الشاب وراءه، ليخبره أن هناك من أرسله لقتله، لكنه وبعد سماعه كل ذاك الوقت في المقهى لم يجده كافرا كما يقولون، فلم يفعل.
نجيب محفوظ كاد يُقتل أيضا، وعاش بيدٍ معطوبة حتى آخر حياته، إثر هجوم الاغتيال الذي لم ينجح. الشخص الذي حاول القضاء على محفوظ كالبقية أيضا، لم يقرأه، لكنه استجاب لفتوى كانت أُطلقت في حق الروائي الكبير قبل ثلاثين عاما، وفيها إباحة دمه. الأمثلة كثيرة للأسف.
العظيم فيما يخص الحوارات التي أجريت مع محمد الطالبي، سواء اتفقت مع هذا العالِم أو خالفته، هو القابلية اللافتة لدى المجتمع التونسي لوجود حوارات كهذه. قدرته على الاستماع والتفكير والنقاش. هذا في حد ذاته مفاجئ لنا في كثير من بلاد المشرق العربي الذي لم يعتد ولم يعرف سوى غلبة الصوت الواحد، لهذا فتونس تونس.