مع خطورة الوضع أمنيا على منطقة الخليج، ومع إعلان الداخلية السعودية قبل أيام عن تمكن الجهات الأمنية من الإطاحة بتنظيم مكون من خلايا عنقودية مرتبط بتنظيم داعش الإرهابي، وذلك ضمن مخطط يُدار من المناطق المضطربة في الخارج، ويهدف إلى إثارة الفتنة الطائفية وإشاعة الفوضى، ومع إعلان "داعش" مسؤوليته عن التفجيرين الإرهابيين اللذين استهدفا مسجدين للشيعة في المنطقة الشرقية بالمملكة، وتبنِّيه تفجيرا إرهابيا آخر على مسجد للشيعة في منطقة الصوابر بالكويت، يكون التنظيم قد استطاع الولوج إلى الداخل الخليجي.
وما يميز داعش عن غيره من التنظيمات الإرهابية أنه ينطلق من أيديولوجية طائفية ومذهبية تمثل عنصر الارتكاز في استراتيجيته، هذه الكراهية ذات المذاق الطائفي كانت هي الدافع للإرهابية "شبح الريم" لقتل مدرسة أميركية، ومحاولة تفجير شقة طبيب أميركي في أبوظبي، وهي الدافع كذلك لتدمير الكنائس في الموصل.. بل ويمكننا القول إن الصراعات المذهبية في سورية والعراق كانت من أهم مبررات وجود التنظيم هناك وتمدده. إذن خطورة التنظيم تتجاوز الطابع الأمني لتصبح مصدر تهديد لهوية الدولة الوطنية في دول الخليج.
في ضوء هذه التطورات الخطيرة والدراماتيكية التي أصبح يمثلها تنظيم "داعش" على دول المنطقة، بات من المتعين على دول مجلس التعاون الخليجي اتخاذ حزمة من التدابير العملية؛ لتحصين جبهتها الداخلية وعلى رأسها تعزيز الوحدة الوطنية وذلك بإصدار قوانين تجرّم كل ما من شأنه التحريض على الكراهية، ولذلك أقترح هنا على دول مجلس التعاون استصدار وثيقة خليجية تحت عنوان "الاتفاقية الخليجية لمكافحة الكراهية" تلتزم بها -قانونيا- كل الدول الأطراف المصادقة عليها من دول مجلس التعاون كافة؛ لتكون جزء لا يتجزأ من تشريعاتها الداخلية. الاتفاقية الخليجية لمكافحة الكراهية هي امتداد لتفعيل مبادئ إعلان حقوق الإنسان الخليجي الذي صدر في ديسمبر 2014، فنحن الآن في أمسّ الحاجة إلى تفعيل الإمكانات القانونية المتوافرة لدينا، فالمادة رقم (6) من الإعلان الخليجي تنص على: "حُرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية حق لكل إنسان وفقا للنظام "القانون" وبما لا يخل بالنظام العام والآداب العامة"، وتنص المادة رقم (7) على: "احترام الأديان السماوية، وعدم ازدرائها أو التطاول على أنبيائها أو رموزها، واحترام التنوع الثقافي للأمم الأخرى مكفول وفقا للنظام "القانون".
الإعلان وحده لا يكفي كونه يمثل وثيقة أدبية قيمية غير ملزمة، ولا توجد فيه آليات إلزام للدول الأطراف، وبالتالي لا حاجة إلى الحديث عن اشتراطات وإشارات للقوانين المحلية. وربما يشار إلى تلك الاشتراطات عندما يتحول الإعلان إلى اتفاقية، إذ إن الاتفاقية ملزمة والإعلان ليس كذلك. أعلم جيدا أن الإعلان الخليجي فيه كثير من الملحوظات والمواد الفضفاضة والعائمة إلا أنه يعد تحولا مهما في المسيرة الحقوقية لدول الخليج خاصة عند تحويل مبادئ الإعلان من الورق إلى واقع ملموس، وترجمته عمليا إلى اتفاقيات قانونية تنسجم مع المعايير الدولية.
وإدراكا منا لخطورة تلك الجرائم الإرهابية وغيرها التي تهدد أمن واستقرار دول الخليج على كافة الأصعدة باتت أهمية استصدار "الاتفاقية الخليجية لمكافحة الكراهية" حاجة ضرورية ومُلحّة على الصعيد العملي في سبيل تعزيز الوحدة الوطنية في دول المجلس.