بسبب تعنتها تجاه برنامجها النووي المثير للجدل، وبعد أكثر من ثلاثة عقود على حصارها الاقتصادي، فقدت إيران خلالها 66% من صادراتها النفطية، وانخفضت قيمة عملتها 80% أمام الدولار الأميركي، وارتفعت نسبة البطالة إلى 35% بين مواطنيها، وانخفض دخلها السنوي بمقدار 100 مليار دولار.
وبعد مضي أسبوع واحد على اتفاقها مع الدول الست الكبرى على برنامجها النووي، بدأ الشعب الإيراني يتكشف نتائج هذا الاتفاق، الذي لا يهدف فقط إلى منع إيران من امتلاك قنبلتها النووية والحد من قدراتها على تطوير برنامجها النووي، بل يتخطاه إلى تحجيم السيادة الإيرانية على مواقعها المدنية والعسكرية ومراكز أبحاثها ومصانعها. فالاتفاق، الذي يحوي 8 بنود قانونية رئيسة، يفرض على إيران تقليص عدد أجهزة الطرد المركزي، وتخفيض نسبة تخصيب اليورانيوم، وتأطير طرق استخدام إيران لمنشآتها النووية، وتحديد مقدار مخزون اليورانيوم، وإعادة بناء مصنع "آراك" لتخصيب البلوتونيوم. كما يسمح هذا الاتفاق للدول الكبرى ووكالة الطاقة الذرية بالتفتيش المستمر والمفاجئ لكل المنشآت والمواقع الإيرانية تمهيدا لتنفيذ خطوات رفع العقوبات، أو إعادتها بصرامة إذا أخلت إيران بأي بند من بنود الاتفاق.
البند الأول من هذا الاتفاق، يطالب إيران بتقليص عدد أجهزة الطرد المركزي التي تمتلكها من 20 ألفا إلى 6 آلاف جهاز فقط؛ ليستخدم 5060 منها في منشأة "نظنز"، ويستخدم الباقي في منشأة "فوردو"، ولن يسمح هذا البند باستخدام إيران للأجيال المتقدمة من تقنيات التخصيب إلا بعد 10 سنوات من استخدامها للجيل الأول من أجهزة الطرد المركزي. وهذا يعني أن إيران ستستمر في برنامجها القديم غير القادر على إنتاج مكونات الوقود النووي المطلوبة لصناعة القنبلة الذرية. كما أنها ستبقى مقيدة باستخدام معداتها الأقدم والأبطأ والأقل كفاءة لمدة لا تقل عن 15 سنة، مما سيفقد إيران -إذا قررت خرق الاتفاق- إمكانات برنامجها النووي لتتلاشى قدراته المتسارعة على تصنيع القنبلة الذرية في المدى القصير.
أما البند الثاني، فقد حَجَّمَ قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم بنسبة لا تزيد عن 3.67%، لتمكينها فقط من تحويل اليورانيوم الخام إلى الوقود اللازم لتوليد الكهرباء، وستكون إيران مضطرة للتوقف عند هذه النسبة المتدنية من التخصيب لتبقى بعيدة عن تملك أو صنع القنبلة الذرية التي تحتاج إلى تخصيب تزيد نسبته عن 90%.
ويطالب البند الثالث، بضرورة تقليص إيران لمخزون اليورانيوم المُخصب من 10 آلاف كيلوجرام إلى نحو 300 كيلوجرام فقط، وهذا يعني أن على إيران أن تتخلى عن 97% من مخزونها النووي، ليصبح الوقت الذي ستحتاجه لصنع قنبلة نووية بعيد المنال.
وحدد البند الرابع طرق استخدام إيران لمنشآتها النووية، بحيث يتم السماح لها باستخدام منشأة "نطنز" لتخصيب اليورانيوم، ومنشأة "فوردو" لإجراء الأبحاث الفيزيائية فقط، دون التطرق إلى تصنيع المواد الانشطارية. وهذا يؤدي إلى تحجيم قدرة إيران على استخدام منشآتها النووية في صناعة الوقود النووي، وسيكون للمفتشين الدوليين القدرة على تفتيش تلك المنشآت، التي لن يسمح لها أن تعمل مستقبلا بسرية.
وجاء البند الخامس، مطالبا إيران بإعادة بناء مفاعل منشأة "أراك" القائم على الماء الثقيل، وإعادة توظيفه لصناعة الوقود النووي فقط، وحصر استخداماته فقط لصناعة البلوتونيوم اللازم لإنتاج الطاقة الكهربائية، وهذا البند يمنع إيران من الاستمرار في صناعة وتخزين البلوتونيوم اللازم لتطوير الأسلحة النووية.
أما البند السادس، فقد حدد مواعيد رفع العقوبات عن إيران بعد التأكد من تنفيذ تعهداتها وبعد أن تتحقق الوكالة الدولية للطاقة الذرية من التزام إيران بحلول منتصف ديسمبر المقبل، كي تبدأ أميركا وأوروبا ومجلس الأمن بإزالة العقوبات المفروضة عليها، ومكافأتها على تنازلها عن برنامجها النووي والخضوع لعمليات التفتيش. إلا أن هذه العقوبات ستعود بشدة -كما جاء في البند السابع من الاتفاق- إذا شك أحد الأطراف في أن إيران تنتهك أي بند من بنوده. وهنا يتقدم هذا الطرف بشكوى إلى اللجنة المشكلة من ثمانية أعضاء، والمكونة من أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى إيران. ويكون أمام اللجنة 35 يوما على الأقل للنظر في الشكوى، التي ترفع قراراتها إلى مجلس الأمن للتصويت عليها. وإذا فشل التصويت على هذه القرارات أو إذا نقضته أميركا فإن العقوبات تعود بصرامة على إيران. لذا سيكون سهلا على أميركا إعادة العقوبات إذا شكت في انتهاك إيران للاتفاق، ويصبح من الصعب على روسيا والصين أن تحميا إيران من عودة هذه العقوبات.
ويأتي البند الثامن والأخير من الاتفاق، لتحديد وتوصيف عمليات التفتيش بواسطة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بحيث يسمح لمندوبي الوكالة بالدخول إلى كل المواقع الإيرانية ومناجم اليورانيوم ومصانع الطرد المركزي وخطوط الإمداد ومراكز البحوث لمراقبة استخداماتها، كما يمكنها تفتيش أي موقع يشتبه فيه وفي الوقت الذي تراه مناسبا، بما فيها المواقع العسكرية.
ومع بقاء العقوبات الأميركية على إيران بسبب الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان، تواجه إيران اليوم نتائج تعنتها وتخضع لاتفاق يرغمها على تعليق 76% من قدرات تخصيبها التي يجب ألا تزيد عن نسبة 3.67% لـ15 عاما، ويملي عليها شروطا لمراقبة وتفتيش منشآتها وأنشطتها لـ10 أعوام، مع عدم بناء منشآت جديدة لتخصيب اليورانيوم لـ15 عاما.
متى تتعظ إيران من نتائج تعنتها وتسعى بجدية إلى رفاهية شعبها؟