يتناول أستاذ العقيدة المشارك في جامعة حائل الدكتور أحمد الرضيمان، في الحلقة الثالثة من أسس الفتن، شرح البدعة السبئية، وهي الطعن في الولاة تحت شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمطالبة بالإصلاح، ودعم الحريات، مشيرا إلى أن هذه البدعة بدأها عبدالله بن سبأ، وأصله من اليمن، كان يهوديا ثم رافضيا، وأظهر الإسلام للكيد له ولأهله، فصار يطوف بالبلدان يطعن في إمام المسلمين الخليفة الراشد عثمان، رضي الله عنه، مدعيا المطالبة بالإصلاح، وإعطاء الحقوق أهلها.

وأوضح الرضيمان أن ابن سبأ أطلق قاعدته السبئية المشهورة التي وضعها لأتباعه، وهي قوله: "أظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والطعن في أمرائكم، تستميلوا قلوب الناس"، فكان من نتيجة ذلك أن مُلئت بعض القلوب حقدا على أمير المؤمنين، وكان من ادعاءاته وأتباعه -التي ينشرونها بين الناس بهدف الإثارة- أن الخليفة لم يصلح الأخطاء، وولّى أقاربه، وأضاع المال العام، حتى انفجر بعض الهمج الرعاع، فقتلوا الخليفة الراشد، وهو المبشر بالجنة.




البدعة السبئية: هي الطعنُ في الولاة، تحت شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمطالبة بالإصلاح، ودعم الحريات.

هذه البدعة بدأها عبدالله بن سبأ، وأصله من اليمن، كان يهوديا، ثم رافضيا، وأظهر الإسلام؛ للكيد له ولأهله، فصار يطوف بالبلدان، يطعن في إمام المسلمين، الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه، مدعيا المطالبة بالإصلاح، وإعطاء الحقوق لأهلها.

وأطلق قاعدته السبئية المشهورة، التي وضعها لأتباعه، ممن أراد أن يثيرهم على ولاتهم، وهي قوله: "أظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والطعن في أمرائكم، تستميلوا قلوب الناس".

فكان من نتيجة ذلك، أن مُلئت بعض القلوب حقدا على أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه ، وكان من ادعاءاته وأتباعه - التي ينشرونها بين الناس – بهدف الإثارة، أن عثمان بن عفان رضي الله عنه، لم يُصلح الأخطاء في عماله، وأنه ولّى أقاربه، وأضاع المال العام، وصاروا يتحدثون بذلك، حتى انفجر بعض الهمج الرعاع، فقتلوا الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو المبشر بالجنة، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصهره على ابنتيه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : "ولمّا قدم المفسدون الذين أرادوا قتل عثمان رضي الله عنه، وشكوا أمورا أزالها كلها عثمان، حتى إنه أجابهم إلى عزل من يريدون عزله، وإلى أن مفاتيح بيت المال تُعطى لمن يرتضونه، ولم يبق لهم طلبٌ، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: مصصتموه كما يمص الثوب، ثم عمدتم إليه فقتلتموه".

والعبرة من هذه الحادثة: أن الحاقدين أصحاب الغايات السيئة، والمناهج المنحرفة، مهما حُققت طلباتهم، ومهما قُرّبوا ومُكّنوا، فإنه لا خير فيهم، ولا تُؤمن بوائقهم.

فهم يُفسدون، (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون)، فيقولون: إن الإصلاح لا يتم إلا بتعرية الحكام، والطعن فيهم، وهذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصدع بالحق، فيصدقهم مَن يُحسن الظن بهم، ممن قلّ حظه من معرفة النصوص الشرعية، والعمل بها في التعامل مع الولاة، وجهل حقيقة أهدافهم.

وقد جاء في الطبقات الكبرى لابن سعد، أن أبا معبد قال: "لا أُعين على دم أحد بعد عثمان"، فقيل له: أوَ أعنت على دمه؟ فقال: إني أعُدّ ذكر مساوئه إعانةً على دمه".


تنفير القلوب من ولاة الأمور





إن تنفير القلوب من ولاة الأمور، هو أحد الأسس التي تحصل بها الفتن. قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - : "الله الله في فهم منهج السلف الصالح في التعامل مع السلطان، وألا يُتخذ من أخطاء السلطان سبيلا لإثارة الناس عليه، وإلى تنفير القلوب عن ولاة الأمور، فهذا عين المفسدة، وأحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس".

ذلك أن الطعن في الولاة، هو إساءة للمجتمع كله، وإخلال بأمنه، وسببٌ لتمرد الناس، وحصول الفوضى.

والإصلاح له طرقه الشرعية، الواردة في الكتاب والسنة، وليس منها الطعن والسب، والتحريش والتهييج.

قال الشيخ ابن باز – رحمه الله - :"ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة، وذكر ذلك على المنابر؛ لأن ذلك يُفضي إلى الفوضى، وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف؛ النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به، حتى يُوجّه إلى الخير... ولمّا وقعت الفتنة في عهد عثمان رضي الله عنه، قال بعض الناس لأسامة بن زيد رضي الله عنه: ألا تُكلّم عثمان؟ فقال: إنكم ترون أني لا أُكلمه إلا أُسمعكم؟ إنّي أُكلّمه فيما بيني وبينه، دون أن أفتتح أمرا، لا أحب أن أكون أول من افتتحه، ولما فتح الخوارج الجهال باب الشر، في زمان عثمان رضي الله عنه، وأنكروا على عثمان علنا، عظُمت الفتنة والقتال والفساد، الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم، حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية، وقُتل عثمان وعلي رضي الله عنهما؛ لأسباب ذلك، وقُتل جمعٌ كبير من الصحابة وغيرهم، بأسباب الإنكار العلني، وذكر العيوب علنا، حتى أبغض الكثير من الناس ولي أمرهم وقتلوه، وقد روى عياض بن غنم الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أراد أن ينصح لذي سلطان، فلا يُبده علانية، ولكن يأخذ بيده، فيخلو به، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه".

قال الطرطوشي: كان العلماء يقولون: إذا استقامت لكم أمور السلطان، فأكثروا حمد الله تعالى واشكروه، وإن جاءكم منه ما تكرهون، وجّهوه ذلك إلى ما تستوجبونه بذنوبكم، وتستحقونه بآثاماكم، وأقيموا عُذر السلطان؛ لانتشار الأمور عليه، وكثرة ما يُكابده من ضبط جوانب المملكة، واستئلاف الأعداء، وإرضاء الأولياء، وقلة الناصح، وكثرة التدليس والطمع".

وقال شارح العقيدة الطحاوية، مبينا خطورة الإثارة، وأهمية لزوم طاعة الأئمة – وإن جاروا - :"وأما لزوم طاعتهم، وإن جاروا فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد، أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر في جورهم تكفير السيئات، ومضاعفة الأجور، فإن الله ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل، فعلينا الاجتهاد بالاستغفار، والتوبة وإصلاح العمل، قال تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)، وقال تعالى: (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم)، وقال تعالى: (ما أصابك من حسنة فمن اللّه وما أصابك من سيئة فمن نَفْسِكَ)، وقال تعالى: (وكذلك نولّي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون)، فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير الظالم، فليتركوا الظلم.

وقال ابن القيم: "وتأمل حكمته تعالى، في أن جعل ملوك العباد وأمراءهم وولاتهم من جنس أعمالهم، بل كأن أعمالهم ظهرت في صور ولاتهم وملوكهم، فإن استقاموا استقامت ملوكهم، وإن عدلوا عدلت عليهم، وإن جاروا جارت ملوكهم وولاتهم، وإن ظهر فيهم المكر والخديعة، فولاتهم كذلك، وإن منعوا حقوق الله لديهم، وبخلوا بها، منعت ملوكهم وولاتهم ما لهم عندهم من الحق، وبخلوا بها عليهم، وإن أخذوا ممن يستضعفونه ما لا يستحقونه من معاملتهم، أخذت منهم الملوك ما لا يستحقونه، وضربت عليهم المُكوس والوظائف، وكل ما يستخرجونه من الضعيف، يستخرجه الملوك منهم بالقوة، فعمّالهم ظهرت في صور أعمالهم، وليس في الحكمة الإلهية أن يُولي على الأشرار الفجار إلا من يكون من جنسهم، ولما كان الصدر الأولُ خيار القرون وأبرّها، كانت ولاتهم كذلك، فلما شابوا؛ شابت لهم الولاة، فحكمة الله تأبى أن يولي علينا في مثل هذه الأزمان مثلّ معاوية وعمر بن عبد العزيز، فضلا عن مثل أبي بكر وعمر، بل ولاتنا على قدرنا، وولاة من قبلنا على قدرهم، وكلّ من الأمرين موجب الحكمة ومقتضاها، ومن له فِطنة، إذا سافر بفكره في هذا الباب، رأى الحكمة الإلهية سائرة في القضاء والقدر، ظاهرة وباطنة فيه، كما في الخلق والأمر سواء، فإياك أن تظن بظنك الفاسد أن شيئا من أقضيته وأقداره عار عن الحكمة البالغة، بل جميع أقضيته تعالى وأقداره واقعة على أتم وجوه الحكمة والصواب، ولكن العقول الضعيفة محجوبة بضعفها عن ضوء الشمس، وهذه العقول الضعاف، إذا صادفها الباطل، جالت فيه، وصالت ونطقت وقالت، كما أن الخُفاش إذا صادفه ظلام الليل طار وسار".. وكلام العلماء السابق، مبني على أدلة شرعية منها:


1- ميتة جاهلية

أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من رأى من أميره شيئا يكرهه، فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات مات ميتة جاهلية".


2- مخالفات شرعية

أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها ستكون بعدي أثرة، وأمور تنكرونها، قالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا؟ قال: تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم".

فانظر أيها القارئ الكريم، فإنه مع الاستئثار بالأموال من الحكام، وإظهار المخالفات الشرعية، لم يأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالثورات، ولا بمنازعة الأمر أهله، ولا بحشد الجماهير ضدهم، وإنما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي هو أعلم الناس، وأنصح الناس، وأفصح الناس، وأشجع الناس، أمرهم، أن يؤدوا الحق الذي عليهم، ويسألون الله الذي لهم.


3- ثياب الفساق

أخرج الترمذي عن زياد بن كسيب العدوي قال: كنت مع أبي بكرة رضي الله عنه تحت منبر ابن عامر – وهو يخطب وعليه ثياب رقاق – فقال أبو بلال: انظروا إلى أميرنا، يلبس ثياب الفساق، فقال أبو بكرة: اسكت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مَن أهان سلطان الله في الأرض، أهانه الله".


4- وصية نافعة

أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن طاووس قال: ذكرتُ الأمراء عند ابن عباس، فانبرى فيهم رجل، فتطاول حتى ما رأى في البيت أطول منه، فسمعت ابن عباس يقول له: لا تجعل نفسك فتنة للقوم الظالمين، فتقاصر، حتى ما أرى في البيت أقصر منه".

فالواجب على كل مسلم محب لدينه ومجتمعه، أن يحذر البدعة السبئية التي تتخذ من الدين سُلما لتحقيق مآرب سياسية خبيثة، من إحداث الفوضى والفتن ونحوها.

وعليهم أن يلزموا النصوص الشرعية، ففي ذلك امتثال أمر الله تعالى، وسلامة مجتمعهم، وتحقيق أمنهم، وزوال الغل من قلوبهم.

ولعلي أختم بوصية نافعة، كتبها إمام راسخ، وعالم جهبذ، هو الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله، كتبها إلى أحد الدعاة، فقال: "من محمد بن إبراهيم إلى ........ بلغني أن موقفك من الإمارة كما ينبغي، وتدري – بارك الله فيك- أن الإمارة ما قُصد بها إلا نفع الرعية، وليس شرطها ألا يقع منها زلل، والعاقل بل وغير العاقل يعرف أن منافعها وخيرها الديني والدنيوي يربو على مفاسدها بكثير. ومثلك، إنما منصبه منصب وعظ وإرشاد وإفتاء بين المتخاصمين، ونصيحة الأمير والمأمور بالسر، وبنية خالصة، تعرف فيها النتيجة النافعة للإسلام والمسلمين.

ولا ينبغي أن تكون عثرة الأمير، أو العثرات، نُصب عينيك، والقاضية على فكرك، والحاكمة على تصرفاتك، بل في السر، قم بواجب النصيحة، وفي العلانية، أظهر وصرّح بما أوجب الله من حق الإمارة، والسمع والطاعة لها... ولا يظهر عليك عند الرعية – لا سيما المتظلمين بالباطل – عتبك على الأمير، وانتقادك إياه؛ لأن ذلك غير نافع الرعية بشيء، وغير ما تُعبّدت به، إنما تُعبِّدت بما قدمت لك ونحوه، أن تكون جامع الشمل، لا مشتت، ومؤلف لا منفر، واذكر وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ وأبي موسى رضي الله عنهما: "يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا" ، وأنا لم أكتب لك هذا، لغرض سوى النصيحة لك، وللأمير، ولكافة الجماعة، ولإمام المسلمين، والله ولي التوفيق"ا.هـ.

فما أحوجنا ودعاتنا وشبابنا ومثقفينا، إلى العمل بوصية هذا الإمام الناصح الزاهد، التي استقاها من مشكاة النبوة، ومنهج السلف الصالح.