اختلف أهل الاختصاص في التاريخ والفكر والحضارة في الفرق بين مصطلحي المدنية والحضارة، أهما شيء واحد أم أن الحضارة يقصد بها شيء والمدنية شيء آخر؟ وخلاصة ما يمكن أن يقال فيهما هو أن الحضارة تعني طريقة وأسلوب الحياة والزي والتقاليد، بخلاف المدنية فهي تعني التوسع في العمران والبنيان والتطور التقني في حياة الإنسان. وهذا يدعونا لطرح سؤال آخر هل الحضارة مرتبطة بالمكان أم بالإنسان أم بهما معا؟ ولنا أن نقول إن الحضارة والإنسان مرتبطان لا نستطيع الفصل بينهما، فما دام هناك إنسان فهناك حضارة بغض النظر عن مدى رقيها أم بساطتها. لكن ليس على كل حال أن ترتبط الحضارة بوجود الإنسان، فقد يفنى الإنسان وتبقى معالم حضارته شاهدا على آثاره وحياته ومروره من هنا، وتلعب الثقافة دورا رئيسيا في تشكيل الحضارة، حيث إنها المغذي الأول لأي حضارة.
تلقيت إهداء شرفني به سمو الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، عبارة عن كتاب يحمل عنوانا بارزا ولامعا ومهمًّا "الحضارة العربية والإسلامية عبر العصور في المملكة العربية السعودية"، قام بتأليفه الدكتور عبدالرحمن الطيب الأنصاري -شفاه الله- وآخرون، والكتاب تدور فكرته حول توثيق الحضارة التاريخية والأوضاع السياسية والثقافية والاجتماعية التي مرت بها جزيرة العرب قبل الإسلام وبعده، واستعراض الممالك التي نشأت وقامت في الجزيرة العربية، والحالة السياسية منذ ظهور الإسلام وحتى توحيد المملكة العربية السعودية. ثم انتقل في الفصل السابع إلى إلقاء الضوء حول المواقع الأثرية والمعالم التاريخية في مناطق المملكة المركزية الثلاث عشرة، والتوقف عند أبرز معالم تلك المناطق ومواقع طرق الحج وطرق التجارة فيها، واختتم الفصل الثامن في توضيح وتبيين الفرق بين العمارة التقليدية في المناطق الداخلية ونظيرتها العمارة التقليدية في المناطق الساحلية من حيث مواد البناء وأساليب العمارة. وحقيقة فإن الكتاب معروض بسلاسة وجدير بالاطلاع رغم تجاوز صفحاته 450 صفحة.
شكرا لمؤسسة التراث الخيرية لإعدادها وتصميمها هذا المنتج الذي أعده وكتبه وجمعه قلم مواطن سعودي، نسأل الله له الشفاء، وشكرا سمو الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز على دعمه لهذا المنتج وتوجيهه الكريم بترجمته إلى اللغة الإنجليزية، وهو ليس غريبا عليه، وأقدم مقترحا لا أظن بأنه غاب عن سموه الكريم بأن يتحول هذا العمل المبدع إلى منتج مرئي مصاحب للكتاب يماثل ويشابه كتاب: "ألف اختراع واختراع في التراث الإسلامي" الذي قام بتحريره البروفيسور سليم الحسني ومعه مساهمون. والذي يبرهن ويوثق فيه أن علماء المسلمين بفكرهم وإرثهم وثقافتهم وحضارتهم هم من سبقوا الزمن والمستقبل باختراعاتهم وإبداعاتهم واكتشافاتهم الطبيعية والأدبية والطبية والأكاديمية في حياة البشر.