مع تخصيص مئات ملايين الدولارات إلى اللوبي الصهيوني لتحويل الرأي العام في الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل، فإن اللوبي الآن بجناحيه –اليميني واليساري- يتخبط في معركة ضد نفسه. وعزا كثير من المعلقين سبب هذا التخبط والانقسام إلى إرث "صفقة الرئيس أوباما مع إيران"، لكن السبب الأكثر جوهرية من تلك الصفقة هو الاعتراف بدولة فلسطين، الاعتراف الذي طال انتظاره، بسبب اعتراض رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الذي يُعد أكبر أعداء عملية السلام في الشرق الأوسط.
هناك من يقول إن الفرصة متاحة الآن لأي دولة أو منظمة أو فرد أن يدعم حقوق الإنسان المتمثل في دعم نضال الفلسطينيين، علما بأن العقوبات وحملة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية تضر بنتنياهو وتخيف الإسرائيليين. فرئيس الوزراء الإسرائيلي منبوذ دوليا بسبب رفضه، أو حتى قبوله، مناقشة إقامة دولة فلسطينية. والآن هناك محاولات من مناصره سفير إسرائيل السابق لدى واشنطن، مايكل أورين، لمناهضة أوباما بشدة، وربما يأتي ذلك بنتائج عكسية.
كان أورين سفيرا لإسرائيل لدى الولايات المتحدة في الفترة من 2009-2013 التي كانت خلالها العلاقات الشخصية بين أوباما ونتنياهو قد تدهورت من سيئ إلى أسوأ. وامتد الخلاف الشخصي أكثر في عالم السياسة الحزبية والانتخابات في كل من إسرائيل والولايات المتحدة، بعد أن خاطب نتنياهو في مارس الماضي جلسة مشتركة للكونجرس الأميركي، واستغل المناسبة لتوجيه اللوم للإدارة الأميركية لإجراء المفاوضات مع إيران.
وقد تم ترتيب ظهور نتنياهو في الكونجرس من وراء ظهر الرئيس أوباما والبيت الأبيض، من خلال الاتصالات المباشرة بين نتنياهو ورئيس مجلس النواب الجمهوري جون بوينر. وقد غضب الرئيس أوباما إلى أقصى مدى من نتنياهو لانتهاكه التقاليد والبروتوكولات كافة، وبالتالي فإن أوباما لم يوجه الدعوة إلى نتنياهو للالتقاء به في البيت الأبيض خلال تلك الزيارة.
وبعد أسبوعين من خطبته اللاذعة في "الكابيتول هيل" ضد سياسة الولايات المتحدة، فاز نتنياهو بإعادة انتخابه مرة أخرى. وكان واضحا بكل شفافية أنه استخدم مخاطبته للكونجرس الأميركي في حملته الانتخابية، إذ تناولها على نطاق واسع في الأسابيع الأخيرة من تلك الحملة.
الآن، صب مايكل أورين الزيت على النار من خلال نشر كتابه "أقول للجميع" عن الفترة التي قضاها في واشنطن. والكتاب الذي يحمل عنوان "الحليف.. رحلتي عبر الانقسام الأميركي الإسرائيلي"، لم يزد غضب إدارة أوباما فحسب، بل دق إسفينا داخل المعسكر المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، جرت مشادة كلامية بين أبرز الشخصيات المؤيدة لإسرائيل، مايكل إنديك السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل، ومايكل أورين خلال لقاء متلفز على قناة CCN الأميركية في 28 يونيو المنصرم.
وحتى قبل صدور كتابه في منتصف يونيو، نشر أورين سلسلة من المقالات في مطبوعات أميركية، من بينها "وول ستريت جورنال" ومجلة "فورين بوليسي"، متهما الرئيس أوباما بتدمير العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وفي مقال له في "وول ستريت جورنال" تحت عنوان "كيف تخلى أوباما عن إسرائيل"، اتهم أورين الرئيس أوباما بانتهاك اثنين من قواعد أقدس العلاقات الديبلوماسية بين واشنطن وتل أبيب: الأولى، أن جميع الخلافات بين الحكومتين الأميركية والإسرائيلية يجب أن تبقى سرية، ويجب دائما أن يتم عرض المتفق عليه علنا. والثانية، يجب أن تبقى إسرائيل على علم بجميع قرارات السياسة الخارجية الأميركية والأمن القومي قبل الإعلان عنها. وفي الواقع أن أورين يطالب بالفيتو الإسرائيلي على السياسة الخارجية الأميركية.
ويتقمص أورين دور المحلل النفسي الهاوي، إذ يشير إلى أن تقارب أوباما مع العالم الإسلامي شجعه إلى أن يصبح متصالحا مع والده وزوج والدته. ويقول إن هذا التقارب بطريقة أو بأخرى شكل عداءه تجاه إسرائيل.
في 26 يونيو الماضي، نشرت "الواشنطن بوست" عرضا لكتاب مايكل أورين بقلم فيليب جوردون، الذي حتى وقت قريب من هذا العام كان منسقا للرئيس أوباما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخليج العربي. وفي عرضه للكتاب اتهم جوردون مؤلفه أورين بتعميق الشرخ بين الولايات المتحدة وإسرائيل عن طريق نشر تقارير حزبية مزوَّرة عن النزاعات السياسية الأميركية الإسرائيلية. وكتب جوردون: "المشكلة مع هذا الكتاب هي أن حجة أورين الرئيسة عبارة عن صورة كاريكاتورية مدعومة بالمبالغات والتشويهات التي من المحتمل أن تسهم في تدهور العلاقات التي يزعم المؤلف أنه يعتز بها".
وهاجم جوردون فكرة أن هناك اتفاقا دائما بعدم إعلان الاختلافات بين البلدين، مستشهدا على ذلك بأمثلة من الخلافات الديبلوماسية الأميركية-الإسرائيلية الخطيرة التي يعود تاريخها إلى عهد الرئيس دوايت أيزنهاور الذي أجبر إسرائيل وبريطانيا وفرنسا بإلغاء غزو السويس 1956. كما ركز جوردون بدقة وتفصيل على أن جميع رؤساء الولايات المتحدة تقريبا كانت لديهم معارك سياسية مع إسرائيل. ومع ذلك فقد اتخذ أورين الجفوة بين أوباما ونتنياهو وحولها إلى إسفين حربي عميق في مجمل العلاقات الأميركية-الإسرائيلية.
لقد أثار أورين ونتنياهو انقساما عميقا داخل المجتمع المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة، وكذلك بين الدولتين. ووقف المحافظون الأميركيون الجدد والصهاينة اليمينيين إلى جانب دفاع أورين، في حين أن "الليبراليين" الموالين لإسرائيل، مثل "إنديك" وتوماس فريدمان من صحيفة نيويورك تايمز، وليون يسلتير من صحيفة "أتلانتيك"، هاجموا أورين علنا لانحيازه الحزبي المتطرف، وحكاياته الخرافية، فضلا عن اتهامه لهم بمعادة السامية والتخلي عن قضية إسرائيل.
ربما يلعب أورين دورا فقط لفوز الجمهوريين عام 2016، منذ حدد المؤيد الأول لنتنياهو الملياردير الأميركي وقطب أندية القمار، شيلدون أديلسون، بشكل واضح، أن إسهاماته للحملة الانتخابية لمرشحي الحزب الجمهوري مرتبطة بالولاء لنتنياهو والليكود. ولكن تبدو الأفكار المتناقضة والانقسامات الحادة بين 15 من المرشحين الجمهوريين المعلنين (حتى الآن) ربما لا تسمح لنتنياهو الاعتماد على ذلك الولاء في المستقبل.
مع حكومة نتنياهو التي تتولى السُلطة من المهمشين في الكنيست، ومع جود بعض الفصائل اليمينية المسعورة لتأييد سياسة نتنياهو الآن، فإن الخلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل سيكون لديه اهتمام خاص خلال الأشهر الـ18 المتبقية من رئاسة أوباما.. لكن لا يمكن التنبؤ بما سيحدث.