في إحدى قصصه الرائعة المعنونة بـ"ليس في هذه البلدة لصوص"، يكشف الروائي الكبير جابيرل جارسيا ماركيز، جوانب من أثر التعسف والظلم الذي قد يمارسه الإنسان ضد أخيه الإنسان، لأسباب قد تكون تافهة في بعض الأحيان.
فعندما سرق "دامازو" ثلاث كرات بلياردو لم يجد غيرها في صالة الألعاب ليسرقها وأخفاها في بيته، قبضت الشرطة على شخص آخر "زنجي" من غير سكان البلدة الأصليين وضربته ثم سفرته إلى مكان آخر. لكن الظلم لم يقتصر على ذلك بل عندما لعبت الخمر بعقل السارق الأصلي "دامازو" وذهب إلى صالة البلياردو لإعادة الكرات، وجد هناك صاحب الصالة الذي زاد عليه الاتهام بسرقة 200 بيزو وهي تهمة لا أساس لها من الصحة؛ لأن "دامازو" لم يجد في خزانة الصالة سوى الكرات الثلاث ولم تكن هناك أي نقود.
هذه القصة مرآة صادقة لما يحفل به العالم الآن من صراعات فكرية وأيديولوجية تتحول إلى مخالب قتل وتدمير وجور وظلم وإفساد في الأرض، يدفع ثمنه الأبرياء الذين لم يخططوا، ولم يكرهوا أحدا، ولم يفكروا سوى في العيش بسلام حتى وإن باتت بطونهم خاوية. ولكن يأبى تجار الحروب في العالم إلا الرقص والعيش برفاهية على أشلاء الأبرياء والضعفاء الذين لم يعرفوا سوى النقاء والصدق وحب الأرض بإخلاص.
فحتى "دامازو" السارق ليس سوى ضحية الفقر، ولذلك سرق ما يناسب وضعه الاجتماعي ومستوى عقله وتفكيره، فلم يأخذ سوى 3 كرات بلياردو، ومع ذلك اتهم بسرقة 200 بيزو!
للأسف.. أنه اجتمع على المواطن العربي والمسلم البسيط، تجار الدين، وتجار الحروب، وتجار السياسة، و كل واحد منهم ينهش جثة هذا المواطن من جهة، ويشرب من دمه، فيزداد هذا "التاجر" تخمة، ويذوب هذا البسيط في ثيابه الرثة، بؤسا وجوعا وحزنا لم تعد له أية دموع.
يا الله.. يا الله.. ليس لهذا الإنسان الضعيف إلا أنت.