رَأى قَضاؤُكَ فينا رَأيَ حِكمَتِهِ أَكرِم بِوَجهِكَ مِن قاضٍ وَمُنتَقِمِ
فَالطُفْ لأَجلِ رَسولِ العالَمينَ بِنا وَلا تَزِد قَومَهُ خَسفًا وَلا تُسِمِ
يا رَبِّ أَحسَنتَ بَدءَ المُسلِمينَ بِهِ فَتَمِّمِ الفَضلَ وَاِمنَح حُسنَ مُختَتَمِ
أحمد شوقي "نهج البردة"
بداية تزف حروفنا اليوم أرق التهاني إلى خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- ووليي عهده -رعاهما الله- وسدد خطاهم جميعا، وإلى الشعب السعودي، خاصة المناضلين على الحدود وأسر الشهداء رحمهم الله؛ وحراس الوطن في كل مكان ولأهلنا في اليمن السعيد وفي كل بلادنا العربية والمسلمين كافة.
وبعدها انتقل إلى ملاحظة فارقة سبقت العيد حينما بدأت بشائر انتصار الشعب اليمني العظيم فجعلت العيد كما يقال عيدين؛ فحين جاء العيد بفرحتين عظيمتين نحمد لله على استعادة عدن وتهنئة من الأعماق لأبطال اليمن على شجاعتهم في مواجهة أعدائهم .
بداية مستحقة أعادت لنا الأمل باستعادة المشردين والمهجرين للأوطان ومن يدري عسى أن يحل العيد الأكبر بنصر أكبر للأشقاء ليؤكد سنة كونية هي: أن الأرض يرثها عباد الله الصالحون مهما طال لبْث الطغاة ومهما أفسدوا الحرث والنسل.
والواقع أن هذا النصر وحماية الحدود لم ولن يتحقق بعد فضل الله سوى بجهد وعرق ودماء أبطال مرابطين عليه حتى اليوم، وعيدهم يمر بعيدا عن أهلهم وأبنائهم، لكنهم يدركون أن حياتهم أرخص بكثير من تراب الوطن، والوطن يدرك أن سهرهم وعرقهم أثمن ما يملك وهو ماله ومآله؛ وما أثمن المبادرة الكريمة التي تخـلفهم بخير في أبنائهم وأسرهم وتكرمهم أحياء وأمواتا.
إلا أنه رغم هذا الانتصار فالمحزن في رمضان وقبله وحتى آخر يوم فجعنا الإرهاب بفجيعتين: التفجير خاصة للمساجد في لحظات السجود والاقتراب من الله فيها؛ ولم يقتصر على بلد فقد اهتزت مدن عربية وتداعى الحجر على رؤوس البشر وتناثرت الأشلاء.. والمقتول يُقتل باسم الله الذي ذلت جبهته تقربا له!
ثم فجعنا أن يقتل ولد إرهابي والده، ويقتل -أخيرا- ولد خاله الذي ينفق عليه ويرعاه -ولا حول ولا قوة إلا بالله-، فلكم أن تتخيلوا قلوب الأمهات والأخوات والأهل والجرائم تتوزع على خارطة أوطان العرب باسم الإسلام!
الواقع الذي يقرره تصاعد الهجمات الإرهابية هو محاولة الإشغال عن إعادة الأمل بالدرجة الأولى: وكما قرأ أحدهم من الوضع، أن التفجيرات وقعت في دول التحالف لتحرير اليمن!
الغريب أنك تنظر إلى وجوه القتلة والمفجرين فتفجعك اللحى (غير الغانمة)؛ لحية تخبرك أن صاحبها لم يعرف من الإسلام ومن السنة غير تربية اللحية، وتجاهل كل ما يدعو له الدين من سماحة وحب ورحمة لتسأل نفسك ومن حولك: كيف جهل القاتل تسامح النبي مع من آذاه من قومه الكفار؛ ليقتل هذا الفتى من رباه وسهر على رعايته من المسلمين؟! ثم هل يدركون كم تبعد المسافة بين هذه اللحى والتدين والإسلام الذي يزعمون! كيف يفعلون ذلك؟ وحين يرتكب إنسان جريمة القتل الخطأ مع الغريب ينتابه الندم والحسرة، ويقض مضجعه جرمه "الخطأ". تأملوا قلب أم تضم ولدها الرضيع لصدرها وتطلب منه ألا يقتل المسلمين ولا يقتل أباه أو خاله! أو تأملوا أن تتمنى الأمهات ألا ينجبن أولادا حتى لا يصبحن ضحايا لفلذات أكبادهن!
تقول امرأة طعنها الإرهاب في الخاصرة: "مع كل جريمة لشاب أستحضر جريمة قريبي الذي مزق جسده لأشلاء فلا يكاد الجرح يندمل".
حولت سيطرة الإرهاب على عقول بعض الشباب مظاهر التدين إلى خوف ورعب، و ما زال المحرض أو المترحم على الإرهابيين يرفل في حلل التعبير دون خوف أو وجل، فهو وحده الآمن في سربه يتصالح مع القتلة ربما لأنه آمن شرهم!
أين ذهبت كل قيم البشر وأعرافهم فلم تعد تسري نخوة أو رجولة فيهم؟! اللهم ليست شماتة ولكنه حزن على زهرات المجتمع من الشباب أن يكونوا بين ملتحق بالإرهاب في الخارج، وبين قاتل ومفجر في الداخل، إذ لا يرعون إلاًّ ولا ذمة ولا قرابة، يقتلون المسلمين لأنهم كفار بحسب ما يقررون؛ ويحتلون المدن العربية ليحرروا القدس وكأن بوصلتهم لا تشير إلا خطأ، فيتباكون على مقدسات الإسلام ولا يعلم غير ربك نواياهم لو وصلوا إليها ولن يصلوا بإذن الله! يريدون أن يخدموا الإسلام بإبادة المسلمين فيمارسوا عبثا! ويثور سؤال: لماذا يصمت كثير من أهل العلم أو يكتفوا بالشجب على استحياء، وهذه الجرائم تسيء لنا نحن المسلمين؟!
أبناؤنا الأحباء لا تفجعوا أسركم بكم؛ لا تقتلوهم فتسلبوهم الحياة فتلك جريمة، والأنكى منها أن تبقوهم أحياء يتجرعون جرمكم خزيا ومرارة.
اللهم إنهم أبناؤنا فألهمهم رشدهم واعصمهم من الفتن. وأخيرا جعل الله هذا العيد بردا وسلاما على قلوب كل الحزانى، وأعاده على أوطان المسلمين وهي بخير وعز وتمكين.