يمنُّ الله عز وجل على المسلمين بيوم مبارك هو يوم الفرح بما آتاهم الله، وما أعانهم عليه من صيام وقيام، وما رزقهم من نعمة الخشوع والخضوع والابتهال إليه سبحانه في شهره الفضيل رمضان.

يقبل العيد وتتلألأ تباشيره وتهفهف نسائمه على أرواحنا؛ فتعيد إليها البهجة والحبور، والغبطة والسرور، فما لنا ندبر عنه إذا أقبل؟ ونعرض إذا مرّ؟ ونختفي إذا بان وظهر؟ وتتمعّر من بعضنا الوجوه إذا ذكر؟!

قد لا يكون الإعراض أو الإدبار والتمعّر ماديا نراه رأي العين أو نسمعه معبرا عنه، غير أننا نستشعره في سلوكيات بعضنا، وكثرة انغماسهم في المعترك، فلا يمنحون أنفسهم ولا أهليهم سانحة أن تشرق البسمة على الشفاه، أو تتجلى البهجة على الوجوه.

على صعيد المؤسسات الاجتماعية والثقافية هنالك من الفعاليات المبرمجة للاحتفال بالعيد ما يذكر فيشكر، وإن كان المجتمع بأطيافه كافة في حاجة إلى مزيد من تتبع ما يرومه من مناشط كفيلة بالمتعة مقرونة بالفائدة.

نسمع عن برامج ومسرحيات وألعاب تنافسية للصغار والكبار، وهذا محمود لولا أنه لمّا ينعتق بعد من ربقة النمطية والتكرار والمتوقع، سواء على صعيد الشكل أم المضمون، ما يجعل منهجية التعاطي مع تفاعل الناس محدودة وفي أحايين كثيرة غير مقنعة.

يوم العيد، يوم من أيام الله العظيمة، والحضور فيه وخلاله يكون بسمات معلومة، وبأفعال مبتغاة، كنا نعرفها ونمارسها صغارا حين كانت القرى تتزيا قبل حلوله، بيوتها وطرقاتها، أضواؤها وأفياؤها، الصغار والكبار، ولا أبالغ إن قلت حتى الأنعام والمواشي يتبدى لك أنها تقفز وترتع مرحة جذلى.

كانت قرانا زمانا مضى –ويعلم هذا من عاشه أو سمعه مرويا عن كبارنا- تستحيل إلى جنان وارفة على الرغم من شظف العيش وضيق ذات اليد، إلا أن غنى النفوس بالإيمان، وثراءها بالمحبة والاطمئنان تبدد كل ملامح القسوة والنَّصب، كنت تشعر بأن الأشجار تحييك وتهنئك، وأن الأطيار تحتفي بك، وأن لبنات البيوت وأحجارها تتبسم في وجهك، أما أبوابها فصدور مشرعة بالترحيب الممزوج بالبخور، وأنداء العطور، ناهيك عن الضيافة في كل بيت بما يستطيعه أهله من موجودهم، وكانت له لذة لا تضاهيها لذة لمن أدركها وخبرها.

أقبل العيد ونحن في حال أخرى، الحياة ليست الحياة، ولا الموجودات كما كانت في أزمنة الذكرى، ومع ذلك سنعتمر تيجان الفرح والسعادة مطمئنين أننا في بلدة طيبة، نتوكل على رب غفور. عاد عيدكم وكل عام أنتم خير وبخير.