فوجئت بخبر نقل أحد أصدقائي في مدينة حائل إلى مستشفى في بريدة بعد تعرضه لأزمة قلبية. لقد تم نقل المريض بالسيارة ووصل في الوقت المناسب وتم خروجه من الأزمة ولله الحمد بخير. وكانت زوجة أحد الأقارب قد توفيت في شهر رمضان الماضي في حائل بسبب تأخر نقلها إلى الرياض. أخبرني هذا الصديق بعد ذلك أن الأطباء أخبروه بأن وصوله إلى المستشفى كان متأخراً ولم يكن أمامه إلا ما يقرب من عشر دقائق قبل أن يتعرض لمضاعفات أخطر. أما سبب نقل المريض إلى مستشفى بريدة فلأنه لا يوجد في مستشفيات حائل (مستشفى حائل العام ومستشفى الملك خالد) أي قسم لأمراض القلب، وكأنه لا توجد لدى سكان حائل قلوب قد تحتاج إلى عملية قسطرة. هذه الحادثة دفعتني إلى محاولة التعرف على هذه المستشفيات وما تحتويه بداخلها. اكتشفت بعد البحث أن مستشفى حائل العام والذي أذكره منذ طفولتي وأيضاً مستشفى الملك خالد لم يجر عليهما أي توسعة في الطاقة الاستيعابية منذ 30 عاماً. المعروف أن عدد سكان مدينة حائل تضاعف خلال هذه الفترة ثلاث مرات. وأنه لا يوجد في كلا المستشفيين أي قسم يختص بالقلب. أين وزارة الصحة من هذين المستشفيين؟ وهل يقتصر الأمر على حائل أم أنه ينتشر في عرعر والجوف وتبوك والقيصومة ومنطقة سدير والباحة وفي العديد من مدن المملكة؟ قسم أمراض القلب يعتبر قسماً رئيسياً في أي مبنى يطلق عليه مستشفى. ولهذا فغياب هذا القسم يحول المستشفى إلى مجرد عيادة كبرى. أنا أجزم اليوم أن لدينا مباني كثيرة في مدن عديدة تمت تسميتها زوراً بمستشفيات بينما هي مجرد عيادات كبيرة تحيط بها الحدائق والأشجار.
وماذا عن معالجة الأورام؟ بالتأكيد لا يوجد في حائل قسم خاص بهذه الأمراض. تبين لي أيضاً أنه لا يوجد في حائل إلا أخصائيان فقط للأمراض الصدرية (أمراض الرئة) يتواجدان في مستشفى الملك خالد. أما أخصائيو الباطنية كالكبد والكلى فحدث ولا حرج.
إن تدهور الحال في هذا القطاع الهام إلى هذا المستوى من التقصير وفي مدينة بحجم مدينة حائل وقراها العديدة لم يكن ليحدث لولا وجود الإهمال المتأصل والمرتبط بشكل موثق مع الشعور بالسلامة من أي محاسبة أو عقاب ولسنوات عديدة. من نلوم هنا؟ وزارة الصحة؟ أم وزارة المالية كالعادة؟ أم وزارة التخطيط؟ أم إمارة حائل؟ أم المرضى أنفسهم؟ لا أدري حقيقة لكن يبدو لي أن جميع هذه الإدارات تشترك في التقصير ولو بنسب متفاوتة. الذي لا يمكن أن نلومه هو هذا المواطن الذي كان يتوقع أن تتحقق أحلامه في توفر الرعاية الصحية عندما قرر البناء والاستقرار في هذه المدينة الجميلة أو غيرها من المدن ثم وجد نفسه يتنقل إلى الرياض وجدة والقصيم بحثاً عن العلاج. هذا ومع أزمات النقل الجوي التي نعاني منها اليوم متمثلاً ذلك في تدني عدد الرحلات الجوية والمقاعد فإن المرء يضع يديه على قلبه خوفاً من حدوث أي طارئ. إنها مواقف مرعبة بحق. أنا هنا أتحدث عن المملكة العربية السعودية التي قررت بناء أكثر من 15 جامعة جديدة في مدن المملكة إضافة إلى جامعة كاوست وجامعة الأميرة نورة بتكاليفها الكبيرة والمقترنة بسرعة التنفيذ. نحن نتحدث عن المملكة التي أنفقت مئات الملايين من الريالات على قطار المشاعر والتي لا تتردد في مساعدة المنكوبين في كل مكان. القصد هنا أننا لسنا دولة فقيرة مع كل هذه الأعمال. لكن ويا سبحان الله عندما نتحدث عن الرعاية الصحية فإن المستشفيات المؤهلة لتسمية مستشفى تعد على أصابع اليد الواحدة وتتمركز في ثلاث مدن رئيسية فقط.
هل تصدقون أن مستشفى الولادة بحائل استغرق بناؤه مدة 20 سنة؟ والله لو أن من يشيده خمسة عمال وبدون مشرف لانتهى العمل في نصف هذه الفترة الزمنية. وهل تعلمون أن إجمالي عدد الأسرة في أقسام العناية المركزة لا يتجاوز 20 سريرا لمنطقة حائل وما جاورها من قرى؟.
أعرف أنه يتم هذه الأيام بناء مستشفى جديد في منطقة مشار بالقرب من حائل والسؤال الذي يردده أهل المنطقة: "متى يخلص؟" هل سيستغرق بناؤه نفس المدة التي استغرقها بناء مستشفى الولادة؟ تحت أي مواصفات سيتم تشغيله؟ وما الذي سيحتويه من أقسام؟ هل سيتعرض إلى فترة توقف بعد الانتهاء من البناء كما حدث في مجمع الملك فهد الطبي في الرياض الذي بقي مغلقاً لعدة سنوات؟ أسئلة مشروعة في ظل تخبط وزارة الصحة ومشاريعها وفشلها الذريع في التخطيط السليم. هذا قد يجرنا إلى مستقبل القطاع الصحي برمته وعلى مستوى المملكة. فهل سيستمر القطاع الحكومي وهو الذي لم ينجح بعد في تأسيس الرعاية الصحية اللائقة مع متطلبات العصر، هل سيستمر مسيطراً أم ستتطور الأمور إلى القطاع الخاص ويتم دعم المشاريع الصحية الجديدة وفرض التأمين إجبارياً على المواطنين والمقيمين مع التزام الدولة بالتأمين على الطبقة الفقيرة أو العاطلة عن العمل؟
اتخاذ مثل هذه الإجراءات سيحول مراكزنا الطبية إلى مراكز عالمية متقدمة ومربحة أيضاً. وإذا كان الجواب بنعم فلنا الحق أن نتساءل: متى؟ هل سينالها ما نال برنامج "الرهن العقاري" من لت وعجن وتأخير؟ ولنتذكر جميعاً أننا هنا نتحدث عن الأرواح وليس عن تجميل الحدائق العامة.