أعاد خبر إطلاق الهيئة العامة للسياحة والآثار جمعية تحت اسم (الجمعية السعودية للمحافظة على التراث) لذاكرتي، موقفا غريبا وطريفا، حدث قبل خمس سنوات تقريبا، حيث جاءنا في القسم الثقافي تقرير مدعم بالصور عن إحدى القلاع الأثرية، وبعد نشره ، فوجئت بأحدهم يأتي إلى القسم حاملا ملفا يحوي أوراقا كثيرة وصورا متنوعة. وبعد بضع كلمات مجاملة، اندفع في ثورة كلامية، متهما معد التقرير وناشره بـ"التشكيك" في أحقية شيخ القبيلة "التاريخية" وأن تلك القلعة لا تمثل أثرا حقيقيا. ثم أخرج صورا لقلعة أخرى، يقول إنها المقر الحقيقي لأجداد "الشيخ الحقيقي"، مطالبا بنشر تقرير عنها بشرط أن يشار إلى أن القلعة السابقة لا تمثل أثرا يعتد به في تاريخ المكان والقبيلة!.
أسوق هذا الموقف كأحد نماذج التحديات التي قد تواجهها الجمعية الوليدة، والتي نأمل أن تتبنى برامج لتعزيز ثقافة المحافظة على الآثار، بعد أن تتصدى لمهام أرى أنها ذات أولوية ملحة لا بد من حسمها حتى يمكن إنجاز الكثير على أرض الواقع.
ومن أبرز الأولويات حل إشكالية التناقض بين دعوات المحافظة على الآثار وترميمها، ودعوات هدم بعض المنازل القديمة التي تمثل خطرا حقيقيا على حياة وصحة السكان المحيطين بها، أو تلك التي تمثل خطرا أمنيا من خلال اختباء مطلوبين أو مجرمين فيها، فمن المهم تنسيق جهود الجمعية مع الهيئة العامة للسياحة والآثار، لتحديد ما الأثر التاريخي الذي يجب المحافظة عليه، وما البناء المتهالك الذي من المصلحة العامة إزالته؟. فهل تصدق الهيئة أن أحدهم أفتى بإزالة مسجد تاريخي يعود إلى حقبة الأمويين، لبناء مسجد مكانه، وهو ما حصل بالفعل، وكأن الأرض ضاقت لكي لا يبنى المسجد الجديد في مكان مجاور ويحافظ على الأثر النادر. والأغرب أن المسجد الجديد هجر منذ سنوات ولم يعد أحد يصلي فيه.
لاشك أن لهيئة السياحة والآثارجهود كبيرة في رصد الأماكن الأثرية في المملكة ولعل ما وثق على موقعها على الإنترنت أكبر دليل على ذلك. ولكن المهمة تحتاج إلى عمل توعوي شامل، يُخرج من العقول التوجس من قدوم "غرباء وأجانب" للسياحة والاطلاع على آثارنا، بل ويزيل فكرة أشد فتكا بآثارنا تتمثل في أن بعضها "مزارات شركية" يجب أن تسوى بها الأرض كما يقول البعض في مجتمعنا.