حتماً، سيأتي متحذلق، ليقول: أنتم تكتبون عن الشعر والأدب والفن، فيما الأزمات تحيط بنا من عشر جهات. أزعم أنه لا يقول ذلك مؤمنا به، وإنما ليقول شيئا مع القائلين، أو ليلمز بهدف اللمز وحسب، فلن ينفع تحليل الأوضاع، ما دام فينا متطرف واحد يعتلي منبرا، فينساق خلفه آلاف الهارفين بما لا يعرفون، وما دامت فينا فئة ترفض الإقرار بأخطائها الكارثية، وتكابر عن الاعتراف بعورات خطابها الذي أفضى بنا إلى ما نحن فيه، أو أنه عميل مستتر، يسّر لقوى كبرى إيصالنا إلى ما نحن فيه من: توحش، وتناحر، وانقسام، وما دام فينا من يفسق ويكفر المختلفين معه أجمعين.

الأمل في العقول مفقود، ولن ينال المطالب بالمراجعات سوى الشتائم والتهم؛ ولذا سنواصل الكتابة عن الفن والموسيقا والشعر والجمال، بوصفها أدوات السلام التي حرّمناها، أو حوّرناها لخدمة خطاب واحد، فحرَمنا الأجيالَ منها؛ كيلا تبزغ نجوم بشرية غير "دهاقنة" خطاب واحد.

لا علينا من ذلك كله، وسنتأمل متعة ما، ورمزا ما، يصلح للإسقاط على حالنا؛ سنتأمل "عابئين" عارفين بأسباب التوحش.

في قراءة لإحدى قصائد الشاعرة د. فاطمة القرني، لاحظت أنها تورد الألفاظ الأجنبية مكتوبة بالحروف اللاتينية أحيانا، وبالحروف العربية في أحيان أخرى، وذلك مظهر لفظي يستحق النظر، ففي قصيدة صوّرت فيها تعلمها الطباعة على الحاسب الآلي، تقول راسمة الألفاظ الأجنبية بالحروف العربية:

تعلَّمتُ الطباعة صرتُ أكتُب:

"كمنْتَ.. شسيبَ".. صارَ الكَفُّ يلعبْ

وفي بيت آخر من القصيدة نفسها، تقول ذاكرة اسم المعلمة التي علمتها الطباعة:

سلاماً يا "كمنْتُ".. ندى وحُبّاً

على "دارينَ".. ما أضنى وأتْعبْ

والملحوظ أنها تمنح كل لفظة أجنبية حقها من الإعراب، فتثبت الشكل عليها، برغم أنها ألفاظ أعجمية.

أما الألفاظ التي اختارت كتابتها بالحروف اللاتينية، فإن القارئ يحتاج إلى منح اللفظة حقها من الإعراب ليستقيم الوزن؛ لأن الشاعرة لا تستطيع كتابة الشكل، ومن ذلك:

.. وأنَّ الـ"shift" مَرْقى مَن تَعَلَّى

وإلاَّ..جازَهُ المعنَى وجَنّبْ

فلفظة: الـ"shift"، تحتاج إلى نصبها ليستقيم الوزن، وهو إعراب غريب للفظةٍ غريبة عليه، وربما ساغ عند النظر إلى الكلمة بوصفها جزءا من بيت شعري، ليكون إعرابها ضرورة شعرية جديدة، بالقياس على الضرورات التي تجيز للشاعر ما لا يجوز لغيره.

ومثلها لفظة: "keyboard"، في قولها:

أَفي الـ"keyboard" في ذا النقْرِ نَبضٌ

يُفِيضُ ملامِحي مهْمَا تَوَثَّبْ

الشاعرة لم تستخدم هذه الألفاظ، إلا وقصيدتها تميل إلى السخرية من الواقع الجديد؛ فهي تدور حول عدم تقبلها الكتابة على الحاسب الآلي؛ لما فيها من الجفاف، وغياب نبضات حياة الكتابة بالقلم، وطقوسها.

الموضوع هيأ لها استخدام الألفاظ الإنجليزية؛ لأن مصطلحات الحاسب الآلي بتلك اللغة التي بتنا نضطر إلى إعرابها! وفي ذلك رمز مؤلم، يا أمة تجتر صراعا سياسيا كان قبل أكثر من أربعة عشر قرنا، فتحوله إلى عقائد دينية!