مضى الفيصل إلى حيث تنتهي البشرية، ولكن ما أجمل أن تغادر وأنت رقم صعب في مجالك وأدائك ومنهجك، حيث الديبلوماسية والالتزام والعطاء دون كلل حتى مع تقدم العمر والمرض.
في غالب المؤتمرات الصحفية يتسابق زملاء المهنة إلى طرح كثير من الأسئلة من زاويتين: الأولى البحث عن إجابة حول استفهام معين، والثانية: لا تعدو المداخلة أن تكون تسجيل حضور في المناسبة، بسؤال ربما يصيب المسؤول والمشاهد معا بشيء من الغثيان من شدة السطحية، لكن المسؤول ذاته لا خيار له إلا الإجابة، وكأن السؤال فريد من نوعه.
هذه الآلية والمنهجية التعيسة لا تجدها في مؤتمر صحفي على رأسه "سعود الفيصل"، ولهذا فإن الأسئلة لا تكون كثيرة مقارنة بغيرها من المناسبات، فالسؤال غير الموزون والمنطقي ربما لا يحظى بإجابة سموه -رحمه الله- في كناية عن أن عدم الرد هو الرد المناسب.
في المقابل، يضفي "الفيصل" شيئا من كسر النمطية والإسقاطات في لقاءاته الإعلامية، فحينما كان "موعوكا" قال للصحفيين وهو يدفع بعربته إلى مقعده في المؤتمر الصحفي مع نظيره الأميركي جون كيري: "هل من مُنازل؟"، في إشارة إلى من يسابقه مشيا أو جريا، وفي مناسبة لمجلس الشورى قدم اعتذاره للأعضاء، لأنه بينهم وهو في طور النقاهة إثر عملية جراحية صعبة كانت حالته فيها مشابهة لحال الأمة العربية.
"الفيصل" لم يكن من أولئك الذين يدعون إلى مؤتمرات صحفية وأسئلة أعدت لذلك سلفا، بل كان مختلفا في كل شيء، فسنوات العمل والترحال والنضال من أجل قضايا أمته صنعت منه وطنيا وديبلوماسيا وإعلاميا لا مثيل له.