في وقت ما التقيت أنبل وأروع صديقة ممكن أن يحظى بها إنسان، كانت فتاة وديعة مسالمة بالكاد تشاركنا الحديث، كنا نعمل معا في مكان واحد، وهي تجربتنا الأولى في العمل. لم أكن أعلم أنها على مذهب مختلف، حيث لم أهتم يوما بمعرفة ما يربط الناس بدينهم أو بربهم فهذا شأنهم، بينما هي كانت تعلم أني من مذهب مخالف، ولديها تصورها الكامل بأني قد أبدأ في معاملتها بعنف أو تحيز أو كراهية كما يحدث معها دائما في كل مكان إن عُلم بما هي عليه وعلى أي مذهب. إن هذا أسوأ ما يمكن أن يحدث للإنسان أن يكون غريباً في وطنه وخائفاً في دينه.

انقضى وقت طويل لم أخبرها بما عرفت، كنا نصلي معاً وكنا نتناول كل صباح الطعام ذاته، ونقوم بأشياء كثيرة تشبه أرواحنا ولا تشبه مذاهبنا.

منذ المرة الأولى التي صلينا معا عرفتْ كلانا هذا الأمر ومضينا نكمل بقية يومنا بصمت وبحب، ولم يكن ليعني لنا شيئا لأنها كانت من ذلك النوع الذي يشبهني، حيث إن الإنسان هو من يهمنا فهو من يمثل الدين والقيم والأخلاق والعقائد. هذه المنظومة إذا لم تجعلك تحترم عقيدتي وقيمي فما نفعها إذًا؟

كيف تصنع عدوا محتملا، وكيف تصنع محبة وسلاما محتملين؟ تلك هي خياراتك وتلك هي ما يجب أن تكون أهم القيم لديك. هكذا قلت رداً على صديقة معارضة ومتشددة في هذا الأمر بحيث بدت لها مرافقتي لتلك الصديقة نوعاً من الموالاة للكفار والمشركين على حد تعبيرها. قالت: كيف تتعايشين مع شخص يرى في قتلك أجراً؟ وكيف تتعايشين مع شخص سيضع لك السم في الطعام في أية لحظة؟ كيف؟ إن مذهبها قائم على قتلك وكراهيتك؟ لا بد أنك لم تقرئي كتبا شيعية؟ لن نتعايش معهم إلا إذا تنازلوا عن معتقداتهم المسمومة؟ وكان ردي عليها أنهم بالتأكيد لديهم نفس المعطيات والمبررات التي لديك، وأنه يجب أن نسأل أنفسنا من سممنا جميعاً؟ وأكدتُ لها ولنفسي -ذلك اليوم- أني قرأت الكثير من كتب التاريخ والموروث كتباً شيعية وكتبا سنية، وتأكدت أن ليس عدوي وعدوك "سنيا أو شيعيا"، بل عدونا هو من استطاع أن يقنعنا بأننا أعداء، وخلق كل تلك الاحتمالات والمعطيات لنكون كذلك.