ما أن تقبل على الواجهة البحرية للحي المالي في "سنغافورة" إلا ويلفت نظرك تلك الحديقة الواسعة بأشجارها المعدنية الضخمة! تلك الحديقة المستحدثة بالكامل من العدم كجزء من استراتيجية نقل هذه المدينة "الدولة" إلى مفهوم: "المدينة وسط الحديقة"!

تعمل "سنغافورة" ضمن خطط عشرية محددة الأهداف، ولن أتحدث عن نجاحها الاقتصادي فهو من الحقائق المتفق عليها، ولكنني سوف أسلط الضوء على توجهها منذ سنوات معدودة لجذب السياح، فكانت أن خرجت حكومتها بمجموعة مبادرات خلاقة، أحدها تلك الفكرة الحالمة التي طرحت قبل عشر سنوات، وأضحت اليوم حديقةً تتجاوزها مساحتها مليون متر مربع.

إذ في عام 2005 أعلن رئيس الوزراء السنغافوري مسابقة ابتكار وتنفيذ حديقة حضرية يجب أن تصبح المقصد السياحي الأول للمدينة، فتقدم 170 مكتباً معمارياً عالمياً بعدد هائل من الأفكار، لم يفز منها إلا مكتبان بريطانيان!

وكانت الفكرة دمج الأسلوب الحضاري المعماري بالأشجار الصناعية الضخمة، كما لو كانت أشجاراً استوائية تعانق السماء، إضافة إلى زراعة نباتات متسلقة مختلفة في كل شجرة ضخمة، كما وزعت أقسام وممرات وقُبب الحديقة كما لو كانت شجرة وردة "الأوركيد" وهي بالمناسبة الوردة الرسمية المعتمدة لسنغافورة. بحيث تجد الشلالات في جذر الشجرة، أما المساحات الخضراء المفتوحة فهي أوراقها، أما المرافق الأخرى كصالات الاحتفالات والمعارض والمتاجر الصغيرة فهي أغصان الشجرة، حتى نصل إلى الأشجار المعدنية الباسقة لتكون بتلات وردة الأوركيد نفسها!

لم تغفل الحديقة دورها العلمي فاحتوت حديقة تعليمية للأطفال، وقُبة مغلقة للأزهار، وأخرى للنباتات التي تعيش في البيئات الباردة، ناهيك عن الكثير من اللوحات التعليمية وعروض النجارة التقليدية والأعمال اليدوية، ناهيك عن عروض الضوء والصوت الليلية المبهرة.

واليوم لا أعتقد أن هذه الحديقة التي لم يتجاوز عمرها الآن سنتين تخرج عن قائمة أي سائح أو زائر لهذه المدينة المتجددة كل يوم.