أكثر السطور ألماً هي تلك التي تكتب في رثاء العظماء عند الرحيل، ولأن الرحيل مُر فشريط الذكريات الآن أمامي يمر ومازلت أرى صوراً ومواقف لأيقونة السياسة الخارجية للمملكة، وهو يقف كالأسد المزمجر أمام كُل من يجرؤ أو يحاول النيل من بلادي، أربعة عقود وسعود الفيصل عن جبهتنا الخارجية يذود بلا كلل أو ملل حتى والمرض يشاكس جسده، كان حاضراً في مجلس الأمن وفي جامعة الدول العربية طائراً جائلاً مسافراً متنقلاً براً وبحراً وجواً بكامل حضوره وهيبته كالصقر فوق هامة الجبل، وتحته تراكمات خبرات السنين الطويلة وجينات والده الملك الفذ.
رحل سعود الفيصل بعد أن طبع في أذهاننا صورة لن يمحوها الزمان عنه، وكم أشفق على جيلٍ لن يراه ولن يتعلم منه، فها هو اليوم يرحل للأبد تاركاً إرثاً ضخماً كانت تحسب له كل الدول ألف حساب، وسيذكرونه أبد الدهر حتى وهو مسجى تحت التراب. رحمة الله عليك أيها البطل، وعزاؤنا أنك رحلت في شهر فضيل وفي يوم فضيل، والله نسأل أن تكون آلامك وأنت على فراش المرض ماحية لذنوبك، ولأننا في عصر المعلومة التقنية والشاشات الذكية فلم يكن من الغريب أن تتحول جميع مواقع التواصل الاجتماعي لصور الفقيد تنعى وتبكي وتدعو له، فسبحان من أودع محبته في قلوب الناس، وبصدق كان هذا الرجل استثنائياً وقد يعلم من تتبع سيرته أنه يجيد عدة لغات وذو ذكاء حاد، وسرعة بديهة، ورمز للإخلاص ولعل شهادة الملك سلمان في حقه قبل حوالي الشهرين حين قال له مخاطبا: "عرفنا فيكم الإخلاص والأمانة والولاء للدين والوطن"، فكانت شهادة المليك وصفا لتفرده.
خاتمة: ألف كلمة في رثائك لا تكفيك، فالأمة كلها تنعاك.