أيام قليلة فصلتنا بين رحيل أمير منطقة الحدود الشمالية الأمير عبدالله بن عبدالعزيز بن مساعد رحمه الله، الرجل الحكيم الحازم الذي قضى أغلب سنوات حياته في هذه المنطقة حتى أصبح جزءًا منها، وجزءا من تاريخها، وتاريخ أهلها الأبيض الناصع.. حتى أمسينا البارحة على وفاة موجعة أخرى..
وفاة مهندس السياسة الخارجية السعودية طيلة العقود الماضية.. الأمير سعود الفيصل رحمه الله..
كان الناس -في حالة نادرة أخرى- يبحثون عن خبر يكذب هذا الخبر.. الرحيل أحيانًا أصعب من تخيله..
اتصل بي الزملاء في الصحيفة وأنا في إجازتي السنوية.. طلبوا مني ضرورة كتابة مقال عاجل عن رحيل الأمير سعود الفيصل.. احترت في الأمر.. ما الذي يمكن لك أن تقوله.. صعب جدًا أن تختصر سنوات طويلة من الإنجازات في كلمات عابرة.. الراحل هو أحد أهم وزراء الخارجية في النظام العالمي الجديد.. كيف تتحدث عن الرجل الذي كان يقضي نصف السنة، باليوم والشهر، يطوف دول العالم.. مؤتمرات.. اجتماعات.. لقاءات.. مفاوضات.. بل وجلس في طائرته يدور في هذا الكوكب أكثر مما جلس في سيارته!
وحينما تتحدث عن رجل وهب حياته كلها.. كلها.. كل لحظاتها.. كل تفاصيلها: لخدمة بلاده.. لخدمة قضايا أمته، فأنت تتألم لأكثر من سبب..
الأول أننا نخسر رجالا نوادر بمقاييس هذا الزمن.. مهما تظاهرنا بالمثالية، هناك أناس لا يمكن تعويض غيابهم بسهولة.. ليس في إطار المسؤولية، الأمر يتجاوز ذلك نحو الحياة بشكل عام..
الأمر الآخر، أننا في مرحلة بقدر حاجتها للنشاط والحيوية وروح الشباب، فهي تحتاج للدهاء والحكمة والخبرة التي تتراكم عبر سنوات طويلة.. ولذلك نحن لم نفقد شخصا بقدر فقداننا لحكيم يصعب وجود أمثاله..
الأمر الثالث، أن هذا الرحيل المؤلم يشعرنا كم كنا أنانيين حينما نأخذ الناس من حياتهم الخاصة وأسرهم وأبنائهم وبناتهم عقودًا طويلة.. ونستأثر بهم لنا وحدنا..
ليس أبلغ هذه السنة مما قاله السابقون: رحم الله موتانا وموتى المسلمين.. اللهم آجر الوطن في مفقوديه، واخلف له خيرًا منهم.. إنا لله وإنا إليه راجعون..