"تبغون الصراحة": لم أجد في حياتي حيرة بلا هداية وغموضا بلا انقشاع وأسئلة بلا إجابات كما أجد ذلك مع "داعش"!

تضربني الحيرة من كل جانب، وتأسرني الأسئلة من كل صوب، ما "داعش"؟ الكينونة والأهداف من ورائه؟ وما سر جاذبيته لدى البعض رغم عنفه ودمويته التي هي بالمنطق يجب أن تكون من دواعي التنفير؟!

ثم ما سر تمدده ونفوذه وسطوته، وفي المقابل عجز الأنظمة الإقليمية وعجز أميركا وعجز "التحالف الدولي" عن وقف تمدده؟!

ثم ما سر انتشار خلاياه هنا وفي فرنسا وفي تونس وفي الكويت، والأكيد أنهم في غير ما ذكرت لكن ربما أنهم خلايا نائمة تتحين الفرصة وتنتظر الأوامر؟!

ثم ما سر التقاطر والهروب والتسلل إليه من كل الأجناس، الرجال منهم والنساء، والكهول والشباب، وأبناء وبنات الذوات والنخب من المتعلمين في أميز الجامعات وفي الكليات العلمية وفي المدن العصرية الغربية؟!

إذا كان عقلي القاصر وتجربتي المحدودة وأسئلتي المترامية وقراءتي المتوالية والمتتبعة لهذا التنظيم قد عجزت عن إطفاء شغفي وحيرتي بإجابة واثقة، فما الحال مع مراكز البحوث والدراسات ومواقع الرصد والتحليل والاستنتاج؟

وإذا كان العجز عن فك "شفرة" داعش ماثلا لدى الجميع ولا نزال نتخبط في رصد التوقعات والاحتمالات، فأين أجهزة الاستخبارات الإقليمية والدولية؟ وما رؤيتها؟ وماذا تقول لنا عن "داعش"؟

هل يعقل أن أجهزة الاستخبارات لا تعلم؟ وإذا كانت تعلم عن سر هذا التنظيم الذي ينتشر كالوباء فلماذا لا تخبرنا؟ لماذا لا يقولون لنا هل "داعش" تنظيم ديني متطرف وأنه يصدر في رؤيته وأهدافه عن إيمان حقيقي؟ أم إن "داعش" ميليشيا مصنوعة من دول يعنيها تحقيق أهداف مرسومة ومحدودة؟ فإن كان ذلك كذلك، فلماذا لا يقال لنا بوضوح عن ماهية هذه الدول؟

وهل صحيح أن تقسيمات "سايكس بيكو" قد استوفت غرضها، وأن هناك الآن توجها دوليا لتفتيت المنطقة وتقسيمها على أساس طائفي؟

لماذا إذا كان "داعش" صناعة استخباراتية دولية لا يتم الإعلان عن ذلك من دولنا العربية، فلربما كان كشف المستور سببا في نفور المنجذبين من المهووسين الصغار إذا أدركوا أنهم إنما يقادون كالأغنام إلى المحرقة في الدنيا ونار الآخرة؟

لماذا لا تطلعنا أجهزة استخباراتنا العربية على ما توصلت إليه من تحريات حول هذا التنظيم حتى نستعد ونحذر ونعرف ماذا يراد بنا؟، وماذا علينا أن نفعل كي ندرك إلى أين يسعون لجر أقدامنا لعلنا نتوقف ونحتاط ونحذر الانزلاق؟ لماذا لا يقال لنا ما المصادر الحقيقية لهذا التمويل؟

فإن قيل البترول العراقي قلنا: ومن يشتريه؟ وكيف؟ وإذا قيل لنا إن "داعش" تنظيم طائفي سنّي فإن علينا أن نسأل: لماذا لم نشهد أي عمليات تفخيخ أو تفجير في إيران؟ ولماذا يقتصر "الجهاد" في المنطقة بزعمهم والتفجير بحق العرب فقط سنة وشيعة؟

ولماذا يمضي هذا التنظيم بعيدا في تونس ولا يجد منفذا يتسلل منه ولو مرة إلى "قم" أو إلى إسرائيل؟ ولماذا يجند له الموالون في كل مكان ولا نجد له مثلهم في صفوف عرب إسرائيل؟

أجزم أنني أستطيع أن أمضي بعيدا في الأسئلة التي لا تنتهي بحثا عن إجابة حازمة وجازمة حول هذا التنظيم الذي يهدد منطقتنا بحرب أهلية طائفية ما لم تطفئ أجهزة استخباراتنا نار حيرتنا وتقول لنا ماذا تعرف؟ وماذا تتوقع؟ وماذا علينا أن نفعل لنواجه هذه المخططات؟.

نرجوكم، إن كنتم تعرفون فأخبرونا، فنحن وإياكم في المركب نفسه، كي نتعاون جميعا على مواجهة كل من يستهدف خرق سفينتنا وإغراقنا.