فيما يستند عدد من الشباب المغرر بهم لإقحامهم في عمليات إرهابية إلى أن انضمام المملكة إلى المعاهدات الدولية كفر وتحاكم إلى الطاغوت، يفند أستاذ العقيدة المشارك بجامعة حائل الدكتور أحمد الرميضان الشبهة من خلال أن الجهات المعادية للإسلام، وللمملكة تحديدا، تتخذ من التكفير بتلك المعاهدات والاتفاقات ونحوها سُلّماً لتعبئة بعض الشباب المتعجل ضد دينهم ووطنهم.

وأضاف: "أجاب الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله– عن تساؤل حول أن الانضمام إلى الأمم المتحدة تحاكم إلى الطاغوت؟ بقوله: "هذا ليس بصحيح، فكلّ يحكم في بلده بما يقتضيه النظام عندهم، فأهل الإسلام يحتكمون إلى الكتاب والسنة، وغيرهم إلى قوانينهم، ولا تُجبر الأمم المتحدة أحدا أن يحكم بغير ما يحكم به في بلاده، وليس الانضمام إليها إلا من باب المعاهدات التي تقع بين المسلمين والكفار".

 




1- أثنى رسول الله على قريش الجاهلية عندما اتفقوا على نصرة المظلوم


الآيات الكريمة، وهي قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) النساء: 60، 61.

نزلت – كما قال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري – في رجل من المنافقين، دعا رجلا من اليهود في خصومة كانت بينهما إلى الكُهّان، ليحكم بينهما، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم.

وكان اليهودي يدعو إلى التحاكم إلى المسلمين، لأنه يعلم أنهم لا يقبلون الرشوة، والمنافق يرفض ذلك، ويصدّ عنه، ويريد التحاكم إلى الكهان لعلمه بأنهم يأخذون الرشوة.

ولا ريب أن أي فرد مسلم، أو دولة مسلمة، تُدعى إلى التحاكم إلى الله ورسوله، وترفض ذلك وتصدّ عنه، وتريد أن تتحاكم إلى الكهان واليهود، فإن الآية الكريمة تنطبق عليه لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

لكن واقع الحال أن ذلك لم يقع من المملكة، بل لا توجد محكمة إسلامية دولية لديها القدرة والنفوذ في الفصل بين الدول.

ولجوء بعض المسلمين إلى محاكم دولية لأخذ حقوقهم، إنما هو اضطرار لعدم وجود محاكم شرعية في تلك البلاد.

وقد ذكر الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله – في الشرح الممتع: "أنه لا يصلح أن تُترك حقوق المسلمين تضيع، من أجل أن الحاكم يحكم بالقانون، بل ليتحاكم إليه، فإن حكم بالحق، فالحق مقبول من أي إنسان، وإلا فلا".

وجاء في أحد قرارات المجمع الفقهي الإسلامي: "يجب ملاحقة المدعو "سلمان رشدي" بدعوى قضائية عليه، وعلى دار النشر التي نشرت روايته في المحاكم المختصة في بريطانيا، وتتولى رفع هذه الدعوى "منظمة المؤتمر الإسلامي".

وكان من الموقعين على هذا القرار الشيخ ابن باز رحمه الله، وعلماء راسخون آخرون.

ومن تأمل قصة لجوء بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي، يجد أن الحاجة دعت إلى مثولهم أمام حكمه، وقد كان كافرا يومئذ، لإثبات حقهم، وإبطال مزاعم قريش الباطلة ضدهم.

فالعهود والمواثيق والمصالحات، بل أي خطة يطلبها الكفار، فيها خير للإسلام والمسلمين، ودفاع عن قضاياهم، وحماية لدينهم ووطنهم، فقد جاءت بقبولها الأدلة الشرعية.

ولمّا اتفقت قبائل قريش الجاهلية، على ألا يجدوا مظلوما إلا نصروه، أثنى على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعتبر ذلك انضماما لأحلاف كفرية، وإنما قال: "لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبتُ".

2- أهل الإسلام يحتكمون للكتاب والسنة





الانضمام إلى هيئة الأمم المتحدة، وغيرها من الهيئات والمجالس ليس تحاكما إلى الطاغوت، لأن كلا يحكم بدستور بلده، ويتحفظ على ما يشاء.

ولمّا سُئل الشيخ محمد بن عثيمين – رحمه الله – عمن يقول: إن الانضمام إلى الأمم المتحدة، تحاكم إلى الطاغوت؟

أجاب بقوله: "هذا ليس بصحيح، فكلٌ يحكم في بلده بما يقتضيه النظام عندهم، فأهل الإسلام يحتكمون إلى الكتاب والسنة، وغيرهم إلى قوانينهم، ولا تُجبر الأمم المتحدة أحدا أن يحكم بغير ما يحكم به في بلاده، وليس الانضمام إليها، إلا من باب المعاهدات التي تقع بين المسلمين والكفار".

ومما يدل على صحة ما ذكره الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله -: أن المملكة العربية السعودية بصفتها دولة إسلامية، دستورها الكتاب والسنة، تحفظت على كل ما يخالف الإسلام، فمن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:

أ- تحفظت المملكة على المادة (16) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تنص على السماح بالزواج بين مختلفي الأديان.

ب- تحفظت المملكة على المادة (18) والتي تسمح بالحق في تغيير الدين.

ج- تحفظت المملكة على المادة (22) المتعلقة بعرض الخلاف حول تفسير وتطبيق اتفاقية القضاء على أشكال التمييز العنصري على محكمة العدل الدولية.

 


3- المعاهدة مع الكفار جائزة


أن وجود المصالحات والاتفاقات والمعاهدات مع الكفار، ببعض ما فيه ضيم على المسلمين، جائز للمصلحة الراجحة.

ومعاهدة النبي صلى الله عليه وسلم مع الكفار، في صلح الحديبية، نصٌّ في الموضوع.

وكان من بنود تلك المعاهدة:

"أن من أتى من قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فارا بدينه؛ يردّه إليهم، ومن جاء إلى كفار قريش ممن كان مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ لا يُردّ إلى المسلمين.

فما ظنك أخي الكريم: لو أن حاكما مسلما فعل مثل ذلك، وردّ المسلم الفارّ بدينه من الكفار إليهم، بمقتضى معاهدة؟ ما هي ردود الأفعال، التي سيُواجهُ بها من بعض المتعجلين؟!

إنه لن يقبل ذلك إلا من وفقه الله تعالى، واستمسك بغرز النبي صلى الله عليه وسلم، واقتدى بهديه، عليه الصلاة والسلام.

4- معادون يستقطبون الشباب


الجهات المعادية للإسلام، وللمملكة تحديدا، بصفتها منبع الإسلام، تتخذ من التكفير بتلك المعاهدات والاتفاقات ونحوها، سُلّما لتعبئة بعض الشباب المتعجل، ضد دينهم ووطنهم.

مع أن تلك الجهات المعادية للإسلام، التي تستقطب أولئك الشباب، هي التي تتحاكم إلى الطواغيت، ويديرها أعداء الإسلام، وتصادر آراء تلك الشباب، بل تصادر: حتى هواتفهم المحمولة فور التحاقهم بتلك التنظيمات، ما يدل على الوصاية عليهم، وأنه ليس لهم من الأمر شيء.

ومن مكرهم، أنهم يتخذون أولئك الشباب المتحمس، أدواتٍ للتكفير والتفجير، وإذا انتهى دورهم، سيتم التخلص منهم، ويقطف الثمرة أعداءُ الإسلام.

فليت الشباب يعون هذه الحقيقة، ولا يسلمون عقولهم لأعدائهم، ومَن علم الله فيه خيرا، سيهديه إلى الحق، (وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا).

وفق الله الجميع لكل خير، وهدانا إلى صراطه المستقيم.