لا شك أن فرض القوانين والأنظمة قد ضمن العيش بسلام بين البشر، ولولا هذه القوانين المفروضة لانقلب الإنسان إلى ذئب نحو أخيه الإنسان كما يقول الإنجليزي توماس هوبز.
أي أن روح العداء في هذه الحالة ستظل كامنة في نفوس البشر، وبغض النظر عن المستوى الحضاري الذي وصل إليه الإنسان، ومع كل التقدم التقني الذي أنجزه العقل البشري، لكن لا تزال الاستعدادات الطبيعية الموجودة في دواخل النفس البشرية نحو الإيذاء والخديعة.
أشهر ما توصلت إليه التقنية الحديثة من وسائل التواصل الاجتماعي هو برنامج التواصل "تويتر" وفي عالم الرياضة بالتحديد عايشنا مع هذه الوسيلة التي قربت البشر نحو بعضهم بعضا دون أي قيود أو زواجر أخلاقية، والكل يختبئ في عالمه الافتراضي بلا حسيب أو رقيب.
عادت بنا تقنية "تويتر" نحو حالة الإنسان الطبيعية، ووجدنا الجماهير الرياضية في حالة تقارب جعلتهم يميلون للاعتداء بعضهم على بعض، إما بتوجيه التهم والإساءات ورمي أعنف الإهانات لبعضهم بعضا، وكأن محاولة إيذاء الخصوم لفظيا، ليس إلا نوعا من إشباع الرغبات الكامنة وتفريغ الطاقات السلبية.
"تويتر" هو سمة من سمات العصر الحديث، لكنه جعل جماهير الأندية الرياضية تتصارع فيما بينها صراعا أقرب ما يكون إلى صراع بقاء أو حرب من أجل حفظ النوع من الانقراض.
كأننا نعيش عبر "تويتر" حالة مشاعية أو نقطن غابة لا يسودها قانون، فالكل يشتم والكل يتفنن في صناعة الإهانات والنكت المسيئة، والمجال مفتوح للتشهير بالخصوم، والتفتيش عن فضائحهم، وإظهارها للملأ كنوع من أنواع الجرسة.
أصبح العنف اللفظي والجرأة على التشهير بالخصوم هما الفضيلتان الرئيسيتان في هذا العالم الافتراضي الرحب، فيه يهيم آلاف البشر بلا قوة تسيطر عليهم جميعا، فنتج عن هذه المشاعية التويترية نشوء شخصيات افتراضية تسعى إلى انتزاع قيمة ومكانة في عالم "تويتر" عن طريق إلحاق الأذى اللفظي والمعنوي بالآخرين.
أحوال غاية في البؤس كشفت لنا عن قابلية بعض البشر للعودة نحو حالة البدائية، عندما يرغب أحدهم من الآخرين أن يقدروه ويتمنى دائما أن يحوز إعجابهم، بما يملكه من تخلف لفظي وحوار هابط فجعل من ضحالة فكره، وبذاءة لسانه، مقدارا لقيمته ومكانته بين أقرانه.
والأدهى والأمر أن هؤلاء الأبطال المزيفين صار لهم مؤيدون وأشياع، وحتى السلطة الرياضية ذاتها تمنحهم الفرصة والمساحة لإظهار فنونهم القتالية، فلا غرابة أن تجد رئيس النادي بجانب أحدهم على وجبة عشاء، أو تجد عضو شرف بارز يرافق أحدهم للنادي، وكأن هؤلاء الحرافيش يقفون على درجة من التطور البيولوجي أعلى من الدرجة التي نقف عليها نحن البشر الآخرون.
مع الأسف الشديد، انحدر الذوق الرياضي، فلم تعد فنون الرياضة الجميلة تستهوي الجماهير بقدر ما تستهويهم "طقطقة" أبطال "تويتر"، والصراعات الدرامية بينهم لنسف الجباه على ساحات القتال التويترية، والنتائج المستقبلية ستكون مخيفة وستجلب لنا ما لا يحمد عقباه من التهافت الشامل في الذوق والاحترام والحوار الهادف البناء.