يجد الباحث في الفلسفة أن أغلب الفلاسفة الغربيين على مر التاريخ ينطلقون من قواعد إيمانية يعبرون بها عن أفكارهم، كاتجاه الروحانيين المسجلة أسماؤهم في قوائم المؤثرين لتطوير الفكر الإنساني على مستوى العالم، والمسألة ليست إقصاءً للفلسفة الإسلامية فهي زاخرة بعلمائها، إنما ننظر لهذه الحالة كحالة خاصة إزاء مفاهيم التهميش التي يقوم عليها الفكر الديني لدينا، فحينما نبحث في آراء الفلاسفة عن نظرتهم للقضايا التي يقوم عليها الجدل سنجد أنهم يثبتونها ولكن برؤى ولغات مختلفة عن أساليب الوعظ، كفكرة الحساب والنعيم وعواقب السلوك السيئ بعد الموت وقبله، كذلك التوجيه لصلاح العمل وإصلاح سبل المعيشة، بينما نكتشف أن صورة الخالق لديهم تبنى على أسس العدل والقوة والرحمة والحب والسلام، وهذا يصف طبيعة خلق الكون ومن فيه في ظروف متزنة منسجمة، والإنسان جزء منه وفاعل فيه باكتسابه لهذه الصفات ليبني تعاملاته عليها، وكأسلوب تحفيزي يؤدي غرضه في تطوير الأفكار وتعزيز الثقة والحب في العلاقة مع الله.
عندما نأتي إلى خطاب الوعظ في غالبه، فسنجد أن فكرته الأساسية تقتضي أن التذكير بالموت وتهويل ما سيأتي بعده هو الطريقة الممكنة والوحيدة في تقويم سلوك الإنسان، ويصورون وجودنا كعبء على الحياة! بينما يتلازم الاستمتاع فيها مع صرف النظر عن فعل ما هو صالح وبالتالي نسيان الموت، أي أنهم يبنون في ثقافة الفرد فكرة الخلاص من الدنيا، بالطريقة التي تجعل حياة الإنسان ثقيلة عليه، فيعيش المتأثر برأيهم صراعا نفسيا وحاضراً على سلوكه، حين يجد نفسه بين الخوف مما سيفعله الله به إزاء تقصيره وبين استجابته الفطرية لدوافعه نحو حب الحياة والاستمتاع بما سخر له فيها، وهناك الكثير من المواقف التي فرضت على البعض العودة إلى تدينهم حينما يمرضون أو تلم بهم مصيبة، فحالات الضعف هي أداة التحكم التي تتطلب استحضار الرحمة، وهذا التركيب يدفع ببعض الناس ليكونوا منافقين أو متطرفين في اتجاهاتهم، فنجد المتدين المتشدد الذي قد يختلف ظاهره عن باطنه أحيانا، ونجد المتطرف في الاستمتاع حد الإفراط الذي قد يقتله بجرعة مخدر، وكأنهم مجبرون على رد اعتبارات أنفسهم وما سُلب منهم من حريتهم النفسية بهذه التصرفات.
هناك خطاب عاطفي موجه على شقين؛ فإما ترهيب يستلب الإرادة ويعطل العقل، وإما ترغيب يخفض المعنويات في الإقبال على الحياة بالزهد والدروشة، وهناك خطاب عقلاني يغذي المسؤولية الذاتية والتحكم بالعاطفة والنفس، لأن التربية هي الأساس الذي يبني الاتزان والصلاح في الشخصية ويجعلها مسؤولة عما يصدر منها.