يقول أحد الدعاة عن قيام التنظيم الإرهابي المجرم بتفجير مسجدي القديح والإمام الصادق إن: "الدماء التي سالت في الحرم المكي عام 1989 لهي أشد حرمة عند الله من مساجد لم يأذن الله أن يرفع فيها اسم "الحسين" رضي الله عنه مكان اسمه"!

والقول السابق هو أحد نماذج الخطاب الديني السائد والأيديولوجي للأسف الشديد، والذي يفتقد إلى الإنسانية ولا ينظر إلى حرمة دماء الناس مهما كانت معتقداتهم ومذاهبهم، فهو يقدّس المادة المتمثلة في أماكن العبادة ويفضلها على الحياة البشرية كمحاولة للانتصار للمذهب الذي يتبعه والتقليل من تبعيات العمل الإجرامي للمنظمات الإرهابية، متناسيا في ذلك قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (لزوال الدنيا أهون على الله عز وجل من سفك دم مسلم بغير حق)، وروي بلفظ (لهدم الكعبة حجرا حجرا أهون من قتل مسلم).

قد يعترض معترض هنا ويقول: "صحيح أن المسلم معصوم الدم والمال، ولكن ترفع عنه هذه العصمة بإحدى ثلاث كما جاء في الحديث الشريف: (كفر بعد إسلامه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفس بغير نفس)، وبالتالي فإن الكافر ليس له عصمة إذا كان محاربا أو غير معاهد ومن هذا القبيل"! وعلى هذا الأساس يمكن القول إن حرمة الدم بالإطلاق لا تنطبق إلا على المسلم الحق فقط وليس لكونه إنسانا؟!

إن فهم الناس لبعضهم البعض كان يرتكز في الماضي على العقائد الدينية السائدة بينهم، وكان فهم العامة على امتداد التاريخ يقوم على أساس المواجهة مع الكفار أو الأعداء، وأتباع كل دين أو مذهب يكفرون أتباع الدين الآخر أو يعتقدون بضلالهم أو يضعونهم في خانة الأعداء، وعلى هذا الأساس فإن الحديث الشريف السابق يفهم على هذا المقياس.

فالتاريخ يشير إلى أن العلاقة بين أتباع الأديان أو المذاهب، كانوا يتصورون الآخر بأنه لا يملك علاقة سليمة مع الله -عز وجل- فيصبحون أناسا بلا إنسانية ومن الدرجة الثانية وليست لهم حقوق، وكما هو معلوم فإن كل دين أو مذهب في رأي اتباعه هو الحق المطلق وغيرهم على باطل مطلق، فعلى على سبيل المثال يرى اليهود أنهم شعب الله المختار، ونقرأ في النصوص الدينية للمسيحيين أن هذا الامتياز مختص بالمؤمنين المسيحيين فقط، وكذلك بالنسبة للمسلمين، كذلك نجد في أتباع المذاهب نفسها، فكل فرقة تدعي أنها الفرقة الناجية يوم القيامة كما جاء في الحديث الشريف.

ولقد ورد في القرآن الكريم التصور السابق للأديان في أذهان الناس في الماضي، وذلك في قوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) الآية 113 سورة البقرة، فكان الناس في الماضي كما ذكر آنفا يتصورون أن حقوق الإنسان محصورة بين اتباع الدين أو المذهب الواحد فقط، وهذا الأمر أدى إلى حدوث حالات التمييز ووقوع حالات الظلم والعدوان وإشعال نيران الحروب الدامية بين الناس.

وللأسف الشديد، فإن هذا التصور القديم للأديان والمذاهب ما زال مستمرا حتى وقتنا الحاضر، خاصة في المجتمعات العربية والإسلامية التي تنظر إلى حقوق الإنسان على أنها لا تنطبق إلا على قرب الإنسان من الله أو من أتباع الدين أو المذهب نفسه، وليس على أساس علاقة الإنسان بالإنسان، ولهذا نجد غياب الإنسانية في الخطاب الديني وفي ثقافة تلك المجتمعات، بل ورفض الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والسؤال المطروح هنا: كيف يتسنى لنا نحن المسلمين الأخذ بحقوق الإنسان، وبأي منهجية نستطيع الالتزام بها؟

بعض رجال الدين يرفضون في الحقيقة حقوق الإنسان المعاصرة، ويشير أحد الباحثين في هذا المجال إلى أن أسباب هذا الرفض يعود إلى أمرين رئيسين هما: الأول/ لا يمكن تعيين حقوق الإنسان إلا بعد معرفة تفصيلية وشاملة للإنسان، وهذه المعرفة مختصة بالله تعالى وحده، والتي جاءت في كتاب الله وسنة نبيه، صلى الله عليه وسلم. الثاني/ إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مبني على أساس العرف والتقاليد ولا يملك قيمة فلسفية أو أخلاقية، وهي منتوج غربي وإلحادي وينبغي عدم الأخذ به وإنما الأخذ بحقوق الإنسان كما جاءت في الشريعة الإسلامية!

ومما سبق، يتضح أن تلك الأسباب تستمد جذورها من التصور القديم الموجود في الأديان والمذاهب كما ذكر آنفا، فكل مذهب يرى أنه يطبق الشريعة الإسلامية الصحيحة وغيره منحرف مبتدع في الدين، بل وقد يكون كافرا مشركا بالله.. هذا من جانب.

ومن جانب آخر، فإن تفسير النصوص الدينية يقوم على أساس الفهم البشري لها وكل فهم وتفسير لأي نص ديني يتأثر بالأحكام المسبقة الموجودة في الأذهان للمفسرين أنفسهم، وبالتالي فإن تفسير نصوص الشريعة تختلف من عالم إلى آخر.. فكيف نستطيع الوصول إلى حقوق الإنسان كما جاءت في الشريعة الإسلامية؟

كما أن حقوق الإنسان لم يتم تنظيمها على أساس الأعراف والتقاليد، وإنما نشأت من كرامة الإنسان الذاتية، وهي أصل أخلاقي وإنساني كما جاء في مقدمة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فكل فرد من أفراد البشر، ومن كل قومية وجنس ودين يملك حرمة وكرامة ذاتية والاعتراف بحرمة وكرامة الإنسان لمجرد أنه إنسان يعتبر منهجا أخلاقيا، وهو جوهر الدين الإسلامي في الحقيقة.

يمر المسلمون اليوم بتجارب مرة من حروب دامية ونزاعات وأعمال وحشية وإجرامية من قبل التنظيمات والجماعات الإرهابية، وهم بحاجة إلى فلسفة أخلاقية تتحدث عن كرامة وحرمة دم الإنسان.