الواسطة ليس لها لون ولا جنسية ولا دين، فهي موجودة في كل مكان في العالم، حتى في كرة القدم، ولأن شيوخ "الفيفا" ورئيس الاتحاد الأوروبي "بلاتيني" يعتبرون من أشد العاشقين والمناصرين للبرشا، فلا بد حينها أن يصبح "ميسي" بقدرة قادر أفضل لاعب في كوبا أميركا 2015، حتى لو لم يحقق إنجازات مع منتخب بلاده، وحتى لو لم يسجل أهدافا معهم، كل هذا غير مهم ما دام "الرزق يحب الخفية" و"الجمهور عاوز كده".

يقول أحد الصحفيين الكبار في الأرجنتين معلقا على الجائزة: "ميسي لا يستحق حتى قيادة الأرجنتين، لا مزيد من الأعذار، أرجوكم، القليل من الاحترام للجماهير".. ويعلق الأسطورة "ديغو ماردونا" في البي بي سي قائلا: "أنا قد أمنح لـ"ميسي" الأرض والملائكة، ولكن عندما يريد بعض أشخاص التسويق منحه جائزة لا يستحقها، فهذا أمر غير عادل أبدًا". المحلل الرياضي "هانا دونسان" من صحيفة مترو البريطانية يعلق على الجائزة: "إن اللاعب هو العنصر الرئيسي في آلة الشركة الدعائية وكان لا بد له من الفوز بها للرفع في قيمة الشركة"! يقول "كريستيانو رونالدو" في أحد تصريحاته: "لا يمكن أن أكون أمينا، إذا قلت كل ما أعتقد عن "ميسي" ربما أدخل إلى السجن"!

ومن "الواسطة" في عالم الكرة إلى "الواسطة" في الشأن المحلي، حيث قرأت قبل أيام خبرا صحفيا عن دراسة حديثة أعدتها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة" في المملكة مفادها أن "الواسطة" تشكل أكثر أشكال الفساد انتشارا في القطاع الحكومي الخدمي بنسبة 54%. الجدير بالذكر أن "الواسطة" ما زالت متربعة على عرش الصدارة في أغلب قوائم أنماط الفساد.

أعضاء مجلس الشورى لا تعنيهم مثل هذه الدراسة، وبالتالي سيقومون بـ"تطنيشها" إيمانا منهم أن "الواسطة" كنوع من أنواع الفساد تتحملها "نزاهة" كونها لا تؤدي واجباتها واختصاصاتها ومهامها المنوطة بها على أكمل وجه، وهذا ما سيتم نقاشه في المجلس في شهر ذي القعدة المقبل. ولذلك أقترح هنا على أعضاء المجلس أن يخصصوا مساحة في جلسات الشأن العام لمناقشة الجوائز غير المستحقة التي حصل عليها اللاعب "ميسي"، ومشكلة "الواسطات" من بعض اللجان المنظمة للبطولات العالمية. لا بد للمجلس أن يتخذ موقفا واضحا وصريحا لمعالجة هذه المعضلة. أعلم أن البعض سيضحك من هذا المقترح "القرقوشي"، ولكني أعتقد أنه أفضل موضوع للشورى تتحدث فيه عن "الواسطة" باعتبار أنه يناقش ملفا حيويا يهم شريحة كبيرة من المواطنين وخاصة فئة الشباب فغالبيتهم من مشجعي برشلونه وريال مدريد.

تعودنا دائما من مجلس الشورى مناقشة كل القضايا ذات الأولوية والأهمية التي تلامس معاناة المواطن بكل شفافية، ولعل من أبرزها القرار التاريخي الذي سمي بـ"شجرة الأراك"، الذي طالب فيه المجلس بالتصويت على المحافظة على هذه الشجرة، والتصفيق، ومناقشة أسباب تفقيس 79 بيضة فقط من أصل 1716 بيضة من بيض طيور الحبارى!

قفلة المقال: في أحوالي العادية، ما كنت أرى في "الواسطة" موضوعا مضحكا، ولكن لأن مجلسنا الموقر ليس عاديا، فلم أكن أنا عاديا؟ نعم، سأضحك لأنني أرغب فعلا في الضحك، ولأنه لم يبق لنا إلا الضحك!