منَّ الله على عباده أن جعل البيت الحرام أمانا للناس، بعد أن كان الناس يُتَخَطفون من حوله، وفكرة إبراهيم عليه السلام كانت استراتيجية في بناء أول بيت للناس، ينزع من خلاله فتيل النزاع؛ فيأمن فيها القانع والمعتر والطير والساكن.
والكعبة هي الرمز الهائل لشحن الروح الإنسانية دوريا، بمفاهيم السلام، بتوشح الأبيض مع الركع السجود؛ فلا يعبد الناس بعضهم بعضا، بل يعبدون الرحمن الرحيم، الذي خلق السموات العلى، والأرض وما تحت الثرى.
والحج الذي يتكرر كل عام مثل دينمو السيارة، يولد الطاقة السلامية في كل المعمورة، فليس من فج عميق، إلا وجاء منه حاج ومعتمر، والكعبة بهذه الطريقة الرمزية، تضخمت فانتقلت بمفاهيم إبراهيم السلامية إلى كل الأرض، لتتحول الأرض مع الوقت إلى كعبة كبيرة للسلام. وينطبق هذا أيضا على الأشهر الحرم فتمتد من أربعة إلى كل أوقات السنة.
وحين أسمع بتاريخ 10 مايو عن مقتل مئة بالتفجيرات في العراق وجرح أَضعافهم، أفهم معنى تأسيس المجتمع السلامي، الذي وضعت عنوانه في زاوية مقالاتي اليومية (العلم والسلم).
وحاليا جلس كل من مديدييف الروسي وأوباما الأمريكي ليتابعا اتفاقيات سولت 1 وسولت 2 وستارت 1 وستارت 2 وهي المزيد من نزع الأسلحة النووية، التي تورط فيها الجنس البشري، وتسلح بها جالوت الصهيوني، ويتلمظ الإيرانيون إلى بناء هذا الصنم النووي، وربما قد وصلوا لذلك سرا، وحين نسمع بالانفجار الأعظم فهو تحصيل حاصل، كما فجرت يوما هذه الخرافة باكستان فلم يزدها إلا خبالا.
وهو سلاح ليس للاستعمال قط، تم استخدامه مرة على رؤوس اليابانيين، ولم يتكرر بعد ذلك قط، على الرغم من كل الظروف العصيبة في كوريا وكوبا والشرق الأوسط وبرلين وجورجيا وأفغانتسان وكردستان.
واستفدت أنا من فؤاد زكريا الذي فارق الحياة في عام 2010 من كتابه خطاب إلى العقل العربي أفكارا في غاية الأهمية، عن جدوى بناء الصنم النووي، إنها لعبة مميتة ليست للاستخدام!
ثم تساءل ولكن لماذا تصنع إذن؟
وهو سؤال مبرر فعلا ومطروح، لماذا إذن يصنع وبأجيال من الانشطارية والالتحامية والنترون الصغيرة والكبيرة.
وفي القرآن أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون..
هذه الأفكار تفيدنا في أمر على غاية الأهمية نحو بناء مجتمع سلمي يحرص على حل مشاكله بالطرق السلمية، وتربية الطفل على ذلك، بعد أن ودع العالم القوة، ويحاول جهده أن يتخلص من الورطة النووية، نحو بناء عالم مليء بالسلام والأحلام واحترام الإنسان.
ومن الغريب أن هذه الأفكار جاءت من وحي العلم أكثر منها أخلاقية وأريحية وطيبة، فالإنسان كما يقول أتيين دي لابواسيه لا يراهن قط على الطيبة التي فيه، بل يجب فرملته وقتل الطاغوت في قلبه، وهو لب التوحيد أن لا يعبد الناس بعضهم بعضا بل يعبدون الرحمن الرحيم.
إن الغرب مر في هذه المرحلة من أجل بناء اللوغوس بتعبير الطرابيشي وهو ينقد كتاب الجابري في تأسيي مجتمع خارج الميتوس، وهي عبارات لاتينية تعني العقل في مواجهة الأساطير.
إن أبرز الذين أسسوا لحرية التعبير عند الإنسان كان فولتير، وما زلت اتذكر الكسندر هيج من حلف الناتو حين زار برلين، ووقف يتأمل السور الذي يفصل بين المدينة الواحدة، وأصبح الآن في ذمة التاريخ وكتب المدرسة، وكرر مقولة فولتير، وهي مقولة يجب حفظها وتلقين الأطفال لها جنبا إلى جنب مع آيات القرآن، قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون..
قال يومها هيج وهو يحدق في الأفق مكررا قول فيلسوف التنوير فولتير عن حرية التعبير، أنا مستعد أن أموت من أجل أن أمكِّنك من التعبير عن رأيك، مع علمي الكامل أن ما تقوله خطأ كامل..
هذه الرؤية الخيالية أصبحت نسقا في المجتمع الغربي اليوم، فالناس لا يخافون من التعبير عن آرائهم، مع كل احترام للآخر، وفي حال تصادم الأفكار يرجعون إلى نهج غاندي في اللاعنف وسيلة للتعبير، يقفون مع ما يؤمنون به بدون عنف ضد الآخرين، بدون خوف، بدون كراهية، بدون تراجع، ما لم تظهر الحجة على لسان الخصم، فهنا التراجع للفكرة وليس للشخص..
هذه الآلية هامة من أجل تاسيس المجتمع السلمي الذي يعيش فيه الإنسان آمنا على نفسه حين يعبر فلا يخاف من الاعتقال والتكفير والترويع والإرهاب..
ومن أجل تأسيس هذه المفاهيم يجب أن نكرس حياتنا بصبر وأخلاقية ودون تردد مطلقا..
وفي سورة لقمان وصية حافلة أن يقوم الإنسان بواجبه الاجتماعي وأن يصبر إن ذلك من عزم الأمور..
وفي سورة إبراهيم مشهد حافل لصراع طرفين؛ ملة الأقوام في وجه ملة الأنبياء، وحين ينهزم الفكر يلجأ للتهديد، فيقول الأقوام لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا، ويكون الجواب من الأنبياء بالصبر، ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المؤمنون..
بناء وتأسيس المجتمع السلمي، بروح السلام وليس السلاح، إلى باب السلام، في رحلة الرجوع إلى السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر، حيث تتلقاهم الملائكة سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار..