قبل عدة سنوات ومع موجة كتابة التعريفات الشخصية في الـ"وكيبيديا" طلب مني أحد الأصدقاء من المتخصصين في التقنية أن يفعل لي ذلك أسوة بزملائي، ومع إصراري أنني لم أصنع شيئا يستحق أن يشار إليه، لا.. أن يخلد "وهي حقيقة وليست تواضعا" إلا أن الصديق العزيز، وفقه الله، شدد على أن المنتمين للإعلام يعملون على ذلك من باب أن يُسهّل معرفة الآخرين بهم وبإنتاجهم.

ليست هذه هي الحكاية، بل إن الصديق العزيز قد سطر ما قدمته له بكل موضوعية، إلا أنه دون الرجوع إلي أضاف كلمتين إلى الاسم والمنشأ، هما ما أشار إلى القبيلة التي أنتمي إليها، وهنا بادرته أنني لم أتعود أن أشير إلى مثل ذلك في حياتي الخاصة، وما هو بعيد عن النشر، فكيف من على موقع يطلع عليه الجميع، وذلك من إيماني الشديد أن "كل نفس بما كسبت رهينة"، وزمن القبيلة قد ولّى، لأن الحياة المدنية هي من يجب أن يحكم! لكن صديقي أصر على أن سبب إضافتها لأن اسمي العائلي منتشر بين عدة مناطق وقبائل وكان تحديد هويته أفضل، لأستسلم للأمر من جديد!

التوطئة الطويلة المملة أعلاه حضرت بسبب أن هناك عودة للتزين بالقبيلة لدى أسر كثيرة، وكأنها قد انحط قدرها دون اسم القبيلة، والسبب الآخر أن تنامي التفاخر بالقبيلة في مجتمعنا قد بات يضر، بل يسيء إلى المدنية التي نبحث عنها في جعل مجتمعنا واحدا متحدا، بقدر عملك وإنجازك تكون، لا إقليمك أو قبيلتك.

وأتذكر قبل عدة عقود أن الانتماء إلى بعض الجهات العسكرية يدخل في إطاره الهوية القبلية، أو تاريخ الأسرة العملي مع الدولة، لكن الأمر الآن تغير انطلاقا من أن الحياة المدنية هي التي تحكم، ووجب علينا جميعا أن نعززها بكل ما أوتينا من قوة كي نسير كركب واحد لنا جميعا حقوقنا المتساوية وعلينا ما على الجميع.

وحقيقة وليس ادعاء، فإن خطر القبلية والدعوة لها في زمن المدنية مقلق للبلاد والعباد، ومثل هذه التجمعات مخلة بالسلم المجتمعي، بل إنها تزيد الفرقة والضغينة، وقد تلمسنا ذلك من خلال التجمعات التي عرفناها قبل أعوام -وما زالت وبكل أسف مستمرة إلى الآن- من منافسات وضغينة تحت ستار مزايين الإبل، أو تلك التي تجاهر بتجمعات لعشرات الألوف من المنتمين لها وتتحدى الآخرين أن يكونوا بمثل إقدامها وشجاعتها.

الآن بدأنا نرى شجرة العائلة التي يمتد بعضها إلى آدم عليه السلام تزين كثيرا من البيوت، بل إن الأمر بات يتعدى الخجل إلى التقليل من الآخرين لأنهم لا ينتمون أو حتى يشابهونهم قبيلة، فالأمر خطير ويشير إلى أن البناء المجتمعي الواحد يكاد ينقسم إلى كانتونات متعددة لا تحترم بعضها، وللأسف تجد الكثير يتسابقون على التفاخر بالقبيلة عيانا بيانا، وكأنهم يريدون النكوص إلى الزمن الغابر.

ختام القول، إن القضاء على الدعوات القبلية واجب اجتماعي مُلح، لكن ما هو أهم أن تقوم الجهات المختصة بدورها في ترسيخ المجتمع المدني، لا سيما وأن لديها وسائلها الكثيرة كي تقوم بذلك؟ أيضا أين مثقفونا وصناع الرأي والمفكرون، فما يحدث جد خطير؟ لماذا لا يتحركون؟