تحركات دولية سريعة تجري، والعنوان مكافحة الإرهاب وحل الأزمة السورية، والهدف هو تشكيل تحالف عربي من أجل محاربة الإرهاب. فالرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" يطلق مبادرة مصالحة بين سورية وتركيا والمملكة وقطر، من أجل وضع حد للأزمة السورية التي مضى عليها أكثر من أربع سنوات؛ للحيلولة دون تحول هذا البلد الممزق إلى ساحة لتجمع منظمات الإرهاب، ووزير خارجيته "سيرجي لافروف" يؤكد أن تصريحات الرئيس الروسي لم تأت من فراغ، وأن هذا الأمر بُحث مع ولي ولي العهد السعودي "الأمير محمد بن سلمان" أثناء زيارته الأخيرة بطرسبرغ.
من جهة أخرى، يطرح رئيس الحكومة البريطانية "ديفيد كاميرون" ما يقترب من ذلك، وإن جاء بصيغة أولوية القضاء على داعش، واعتبار ذلك بديلا عن المشروع القديم الذي يعدّ إسقاط بشار الأسد خطوة سابقة على مكافحة الإرهاب.
وفي السياق الدولي أيضا، يعيد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن لا حل عسكريا للأزمة السورية، وأن ليس من سبيل لحل هذه الأزمة سوى تفاهم السوريين أنفسهم، وتوصلهم إلى حل سياسي يؤمن عملية الانتقال السلمي للسلطة.
وعربيا، صرح الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي لأول مرة، في لغة هي أقرب إلى مغازلة القيادة السورية، أن سورية لم تعلق عضويتها مطلقا في جامعة الدول العربية، وكل ما في الأمر هو منع مندوبها من حضور اجتماعات مجلس الجامعة، وهو أمر لا يغير من واقع تعليق العضوية شيئا، ولكن المهم هو طريقة طرحه، والتقليل من أهميته، وإعلان الاستعداد لمقابلة وزير الخارجية السوري وليد المعلم في الموعد الذي يحدده الأخير.
ما ذكرناه حول التحولات في المواقف، اتجاه الأزمة السورية هو غيض من فيض. والأهم أن رد وزير الخارجية السوري وليد المعلم بعد لقائه الرئيس بوتين، وإن جاء متشائما، ومشيرا أن ذلك يتطلب معجزة، لم يخف تمنياته بتحقق هذه المعجزة.
الوقائع على الأرض، تشير إلى أن الجيش السوري عاد لالتقاط أنفاسه، وأنه تمكن من إفشال الهجوم الذي شُنّ عليه في الجبهة الجنوبية، وعرف بعاصفة الجنوب، وصد هجمات أخرى في حلب، قريبا من الحدود التركية. ويحارب بشراسة في القلمون، ويتهيأ لاستعادة مدينة الزبداني التي تبعد قرابة 45 كيلومترا عن العاصمة دمشق.
لقد فسر عدد من المتابعين هذا التحول على الجبهات السورية، بأن روسيا قررت أن تمضي قدما في تقديم مزيد من الدعم العسكري للقيادة السورية. يدعم ذلك كله اندفاعها الحثيث نحو تأكيد عودة حضورها في القاعدة البحرية بطرطوس، على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
هناك أيضا أنباء رائجة عن تقديم إيران في الأيام الأخيرة دعما عسكريا قويا للجيش السوري، قيل إنه تعدى تقديم السلاح والمال، إلى مشاركة قوات من الحرس الثوري في القتال الدائر في سورية بين الجيش السوري وداعش.
ومع أننا لا نملك من المعلومات ما يؤكد مشاركة جنود إيرانيين في المعارك، لكن المؤكد أن ثمة تحولا ملحوظا في الأيام الأخيرة في موازين القوة العسكرية لصالح الجيش السوري، وعلى كل الجبهات.
لا شك أن تزامن تأكيد الدعم العسكري الروسي لسورية والذي لم ينقطع أبدا منذ بداية الأزمة في البلاد، مع طرح مبادرة ما هو أبعد من السلام، والذي ذهب وفقا لتصريحات وزير الخارجية الروسي إلى حد تشكيل جبهة عربية موحدة لمواجهة الإرهاب، تضم سورية ومصر والمملكة وقطر، يحمل رسالة روسية إلى مختلف الغرماء، أنها من جهة، لن تتخلى أبدا عن دعمها للقيادة السورية، وأنها من جهة أخرى، لن تتردد في دعم تشكيل جبهة عسكرية عربية؛ لمكافحة داعش وأخواتها، وإعادة الأمن والسلام إلى المنطقة بأسرها، بما يؤمن مصالحها، ويعزز من علاقاتها السياسية والعسكرية والاقتصادية مع هذه الدول.
المتضررون من الأزمة أيضا، سيتحمسون كثيرا لهذه المبادرة وهم كثر.. الشعب السوري الذي نافس أشقاءه العراقيين، من حيث الغربة والتشرد، وحجم الخراب والقتل، والذي سويت مناطق شاسعة من مدنه وبلداته وقراه بالأرض.
الجيش السوري، الذي كان من المفترض أن يجهز للدفاع عن الأرض، وتحرير الجولان وجد نفسه غارقا في مستنقع يصعب الخروج منه طيلة فترة الأزمة.
لبنان البلد العربي، الذي ينتمي بتاريخه وجغرافيته وعاداته وتقاليده إلى الأرض السورية، والذي لا يملك منفذا بريا واحدا تعبر منه قوافله إلا سورية، أصبحت كل أطرافه ومكوناته السياسية منهمكة في الصراع الدامي، سواء تلك التي أعلنت نأيها عن الأزمة أو تلك التي لم تخف انحيازها ووقوفها إلى جانب القيادة السورية. فليس هناك أحد من اللبنانيين مبرأ من التواطؤ مع هذا الفريق أو ذاك من أطراف الأزمة، والكل يجد مخارج تبدو منطقية لتبرير مواقفه.
النظام العربي الذي تعرض لضربة عنيفة جراء أحداث ما عرف بـ"الربيع العربي" وبروز الأزمات في ليبيا واليمن والعراق وسورية ومصر، هو الآن في حالة احتضار، وينبغي نقله الفوري إلى غرفة الإنعاش، لعل هناك بقية من أمل وإن كان ضعيفا في عودة الأمن إلى ربوعه.
لقد أكلت الأزمة السورية الأخضر واليابس من مستحقات الشعب السوري. وغرق الجميع، وربما بغير إرادة منهم في تفاصيلها. وقد تأكد بما لا يقبل الجدل أن ليس في هذه الحرب، ضمن السوريين والعرب، مَن سيكسب مِن نتائجها.
الشعب السوري، ومعه الشعب العربي، بحاجة إلى بصيص أمل؛ للخروج من النفق المظلم الذي تعيش سورية تحت وطأته. وبلاد الشام، لن تكون خارج ذاكرتنا. والمبادرة ينبغي أن يكون الرابحون منها هم الخاسرون من الأزمة، وهم بالدرجة الأولى السوريون والعرب جميعا.
وينبغي سد المنافذ على القوى الإقليمية والدولية التي اقتاتت على الأزمة، ورأت فيها فرصة لتحقيق اختراقات جيوسياسية، لتهديد الأمن العربي. وتمدد أذرعتها وعمقها الاستراتيجي، فعسى أن تكون بداية لتشكيل جبهة عربية لمواجهة الإرهاب، وفتح بوابات الأمل.