يواصل أستاذ العقيدة المشارك في جامعة حائل أحمد الرضيمان تفنيده الشُبه التي يستند إليها المتطرفون من جماعات القاعدة وداعش ومن سار في خطاهم وأبحر في فلكهم، لاستعداء الدولة السعودية، وإظهارها على أنها خارجة عن الإسلام لموالاتها الكفار، وهو ما اعتبره دعوى لا دليل على صحتها، وإنما ظنون وأوهام وأكاذيب يتلقفها من يريد الكيد لهذه الدولة.

ومن أهم الأحداث التاريخية التي يحاول المتطرفون التأكيد على أنها من صور الموالاة استعانة المملكة العربية السعودية بالجيش الأميركي ضمن ائتلاف غربي، للمساعدة في تحرير الكويت، إبان الغزو العراقي الغاشم قبل 25 عاما.

ويرد الرضيمان على ذلك بقوله "العراق لم يحارب الكفار وإنما حاربنا نحن المسلمين، وكان لا بد من الرد عليه، ومسألة الاستعانة بالكافر لرد عدوان الصائل عند الحاجة جائزة وتختلف عن مسألة الموالاة".

 




الشبهة الثانية: دعواهم أن دولتنا – المملكة العربية السعودية – توالي الكفار وتظاهرهم على المسلمين، وأن ذلك كفر مخرج عن الإسلام لقوله تعالى: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم)


.. والجواب عن هذه الشبهة ما يلي:





1 - من كان مدعيا فعليه الإثبات، وهذه الدعوى لا دليل على صحتها، وإنما هي ظنون وأوهام وأكاذيب يتلقفونها ممن يريد الكيد لهذه البلاد وأهلها.

فلم تتول دولتنا الكفار، ولم تعن الكفار على المسلمين إطلاقا.. فإن قيل: حدث هذا في حرب العراق عندما غزا الكويت وفي غيره من المستجدات الحادثة. فالجواب: العراق لم يحارب الكفار وإنما حاربنا نحن المسلمين في بلادنا – المملكة العربية السعودية – وأرسل صواريخه إلى بلادنا، واعتدى على بلد مسلم وهو الكويت وعاث فيه فسادا، فكان لا بد من الرد عليه واقتضت المصلحة الشرعية الاستعانة بالكفار لرد عدوانه على المسلمين.

ومسألة الاستعانة بالكافر لرد عدوان الصائل عند الحاجة غير مسألة تولي الكفار ومظاهرتهم، وقد دلت الأدلة الشرعية على جواز الاستعانة بالكفار عند الحاجة، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (ستصالحون الروم صلحا آمنا، وتغزون أنتم وهم عدوا من ورائكم فتنصرون وتغنمون)، وقد صدر من هيئة كبار العلماء برئاسة الشيخ ابن باز وبحضور كافة العلماء الراسخين في العلم، ومنهم الشيخ ابن عثيمين، بيانا يجيز ذلك بإجماعهم وذكر الأدلة على ذلك. ولولا خشية الإطالة لنقلت ذلك، وبإمكان كل قارئ أن يرجع إليه بسهولة.

والمقصود أن بلادنا لم تعن الكفار على المسلمين لا في الماضي ولا في الحاضر، وإنما تدافع عن نفسها من الكفار وأعوانهم من الجماعات التي تنتهج منهج الخوارج.

ولو قيل: إن تلك الجماعات التي تحارب المملكة وتكفرها وتفجر فيها هي التي تعاون الكفار على المسلمين لكان هذا هو الواقع.


2- قولهم موالاة الكفار، ماذا يقصدون بموالاة الكفار؟ إن أرادوا بها: محبتهم ونصرتهم لأجل ظهور دينهم فهذا لم يقع البتة من بلادنا. وإن أرادوا بها: الإسرار إلى الكفار بالمودة لمجرد غرض دنيوي وليس لأجل دينهم فهذا أيضا لم يقع.

ومع ذلك لا يقال: إن ذلك كفر مخرج عن الإسلام، فالله تعالى لم يكفر حاطبا رضي الله عنه، مع أنه سبحانه وتعالى أخبرنا أنه أسر إلى الكفار بالمودة، كما في قوله تعالى: (تسرون إليهم بالمودة)، وإنما خاطبهم باسم الإيمان فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة).

ورسولنا عليه الصلاة والسلام وهو القدوة لنا استفصل من حاطب رضي الله عنه فأجابه رضي الله عنه أنه إنما فعل ذلك لغرض دنيوي وليس محبة في دينهم فلم يحكم بكفره عليه الصلاة والسلام.

فإن قيل: لم يكفره لكونه شهد بدرا بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (وما يدريك لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)، وعدم التكفير لمن فعل هذا الفعل خصيصة لأهل بدر لا يشاركهم أحد فيها.

قلنا: لو كان هذا الفعل كفرا مخرجا من الإسلام لما نفعه شهود بدر ولا غيره من الحسنات، لأن الكفر يحبط جميع الأعمال كما في قوله تعالى: (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله).


3 - فرقا بين الموالاة المطلقة ومطلق الموالاة، كما أن مسمى الموالاة يقع على شعب متفاوتة. وكثير ممن خاض في هذه المسائل لا يعرف الفرق، وآفتهم أنهم يعتقدون ثم يبحثون عن دليل يوافق معتقدهم، ولو أدى ذلك إلى لي أعناق النصوص وإنزالها على واقع لا وجود له في الأعيان وإنما فقط في أوهامهم وخيالاتهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- (إذا قوي ما في القلب من التصديق والمعرفة والمحبة لله ورسوله أوجب بغض أعداء الله، كما قال تعالى: (ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي ما اتخذوهم أولياء)، وقال (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه).

وقد يحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة فتكون ذنبا ينقص به إيمانه ولا يكون كافرا، كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله فيه (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة). أ هـ.

فمسائل الموالاة والمعاداة والمصالحة والمكاتبات ونحوها ذكرها الله ورسوله وقررها الراسخون في العلم كما تقدم النقل عنهم.

قال الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ بعد أن ذكر هذه المسائل: (وأما التكفير بهذه الأمور التي ظننتموها من مكفرات أهل الإسلام فهذا مذهب الحرورية المارقين الخارجين على علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ومن معهم من الصحابة.


4- استدلالهم بالآية الكريمة: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم)، وتنزيلهم حكم ما دلت عليه على بلادنا خطأ في الاستدلال وخطأ في تنزيل الأحكام على الوقائع، وإلا فإن كلام الله تعالى لا يمكن أن يدل على معنى باطل، ومعلوم أن الذين خرجوا على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفروهم إنما استدلوا بالقرآن الكريم وقد أخطؤوا في الاستدلال بسبب سوء فهمهم أو سوء قصدهم أو كلاهما، وقد عبر عن ذلك ابن عمر رضي الله عنهما كما في صحيح البخاري فقال: (انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها في المسلمين)، ولكل قوم وارث.

إذا علم ما تقدم فإن معنى هذه الآية الكريمة هو ما ذكره شيخ المفسرين ابن جرير الطبري حيث قال: (من تولهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم فإنه لا يتولى متول أحدا إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض وإذا رضيه رضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه وصار حكمه حكمه). أ . هـ

اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.