نظرة واحدة إلى فيض الخير الذي يتدفق في مختلف أنحاء المملكة خلال رمضان من كل عام، تؤكد أن طاقة عطاء كبيرة يمتلكها شعبنا وتمثل ركيزة قوة وطنية يمكن -إن وظفناها بشكل مستدام- أن تسهم في علاج كثير من السلبيات التي نشكو منها، ونبدو عاجزين عن التصدي لها.

أؤمن أن هذه الطاقة متوطنة في نفوس السعوديين ولا تحتاج إلا لحافز ينزع عنها غلالة التكاسل لتتحول إلى فعل مبهر إن لم يكن بروعة تنظيمه، فبقدرته على الوصول إلى مقاصده، وهذا بالضبط ما يحدث في رمضان، إذ إن كلا منا يسعى خلاله إلى اقتناص الفرصة لإخراج أفضل ما فيه؛ تقربا إلى الله تعالى، وتحقيقا لغايات الصوم الكبرى، حتى وإن كلفه ذلك مزيدا من المشقة والنفقة.

انظر - مثلا– إلى مشاريع إفطار الصائمين التي يتسع نطاقها كل عام –سواء لجهة حجم المنفق عليها والمشمولين بها، أو من حيث أعداد المؤسسات والجمعيات القائمة عليها– وستجد أنها تحمل إلى جانب معانيها الإيمانية، ملامح وطنية تستحق التوقف والإشادة، فهي تعكس –من جهة- معاني التلاحم الاجتماعي القائم على شعور جمعي بأن قوتنا في وحدتنا، ثم إنها ترسخ –من الجهة الثانية- مشاعر المودة بين السعوديين وغيرهم من المقيمين على أرض المملكة، ثم انظر إلى الشباب القائمين على هذه المشاريع، وستلاحظ أمرين: أولهما، أن حماستهم للخدمة العامة وكذلك مدى إقبالهم عليها أمر عفوي ينبع من فطرتهم الطيبة، وثانيهما: أن التزامهم بالنظام الذي تستوجبه والواجبات التي تفرضها عليهم نابع من قناعاتهم الذاتية وليس مفروضا عليهم، وكلها أمور من شأنها أن تمحو الصورة السلبية المأخوذة عن هذه الشريحة الاجتماعية المهمة. 

ويستوقفني في هذا المشهد المضيء أنه يقوم على روح جماعية خلاقة ومبدعة، فكل مشارك في هذه الأنشطة التطوعية عارف بدوره، مؤمن بألا شيء سيتحقق إلا بتعاونه مع الآخرين، كما أنه واثق بأن ما يقوم به ليس فضلا منه على الآخرين أو منة، ولكنه واجب ورسالة، غير أن هذا  الملمح المهم يدعوني -من جهة ثانية- إلى التساؤل عن الأسباب التي تغيب مثل هذه الروح عن حياتنا في  غير رمضان، رغم أننا جميعا نوقن بأن استحضارها كفيل بالقضاء على كثير من الظواهر الاجتماعية الموجعة في حياتنا كالفقر والإعاقة وغير ذلك. 

ويستوقفني كذلك، هذا النزوع الفطري بين القائمين على هذه الأنشطة للوصول بما يحملونه من خير إلى أوسع نطاق، حتى لو كلفهم ذلك جهدا مضاعفا أو نفقة إضافية، لا لشيء إلا لإشاعة أجواء الفرح بهذا الشهر الكريم بين من حرمتهم ظروف الحياة من تحقيقها لأنفسهم وعوائلهم، وهو ملمح  يدل –في جانب منه- على ما يملكه هؤلاء من إصرار على تحقيق مقاصدهم  النبيلة، إلا أنه يعكس –في الجانب الآخر– مدى تقصيرنا في أداء الدور ذاته مع مقاصد كثيرة نتوقف عن إنجازها لمجرد أنها تبدو بعيدة المنال أو صعبة البلوغ، ولك أن تتخيل –مثلا- كيف سيكون مستوى نجاح مؤسساتنا وشركاتنا لو أن الروح الجماعية التي تحكم عمل المتطوعين في رمضان هي نفسها السائدة داخلها! وتخيل كذلك، كيف سيكون حال مجتمعنا لو أن إسعاد الآخرين بات هدفا رئيسا ودائما في كل معاملة بيننا؟