اكتشفت وزارة الشؤون الاجتماعية قبل فترة، وبعد جهود تدقيقية، أن هناك عددا من الأثرياء، أكرر: الأثرياء والموسرين الفائضين الأغنياء، هم ممن يتسلمون رواتب وإعانات الضمان الاجتماعي.
تخيلوا هؤلاء الأغنياء الذين ثبت للوزارة بعد التدقيق أنهم من حملة الصكوك العقارية، ومن ذوي الأرصدة النقدية العامرة، وكان المفترض والواجب الإنساني والديني أن يسهم هؤلاء في دعم صناديق الضمان، وغمرها بالسيولة المالية من فوائض ما يملكون، لكن هذا لم يحدث فقد غلب الشح والبخل نفوسهم، وتقاصرت أيديهم عن هذا السلوك العظيم، لكن في المقابل لم يكن من المتوقع أن يغلب طمعهم على بخلهم، ويمدون أياديهم لتأخذ حقا من أموال المستحقين الفقراء والعجزة والمساكين. غريب أن يصل الطمع البشري إلى هذا الحد!
ولو قبلنا هذه الدرجة المتمادية طمعا وشرها في أي سلوك بشري، فلا يمكن لنا قبولها في ظل الانقياد إلى المسلك الإسلامي الذي يعلي درجة العناية بالفقراء والمساكين، ويجعل مساعدتهم ركنا ثالثا في أركان الإسلام الخمسة، والتي لا يستقيم إسلام المرء دونها، فضلا عن فضيلة الصدقة، وما ورد من آيات وأحاديث نبوية في الحثّ عليها بما يقود إلى مكانة عالية من درجات التكافل الاجتماعي.
إن الأثر السلبي لمثل هذه التجاوزات والإساءات قد امتد ليطال المستحقين الحقيقيين، إذ إن هذا الاكتشاف قاد بدوره إلى تكثيف المراجعة والتدقيق في قوائم المتقدمين، وأولئك الذين اعتادوا أن يتسلموا تلك الإعانات، لأن موجة اللَّبس والاختلاس وتزوير الحقائق جعلت دائرة الشك تتسع، وهو إجراء صحيح وحقيقي، لكنه بدوره أعاق دورة الصرف المعتاد وأبطأ حركتها، ما أسهم بلا شك في التأثير وتأخير صرف حقوق المحتاجين الحقيقيين.
إنني حزين لمعرفة هذا الواقع، لكنني في المقابل متفائل من منطلق "رب ضارة نافعة"، بأن يعاد النظر في قوائم المتقدمين وأن تضبط قنوات صرف الضمان حتى نضمن لها أن تصب دعمها وإعانتها في القنوات الصحيحة التي لا تكدرها شوائب الطامعين، وقد كنت ولا أزال أطمع في كشف وفضح أسماء المتورطين في أخذ أموال الضمان، وهم من الأغنياء الذين كان حقيق عليهم أن يدعموا الفقراء والمساكين لا أن يشاركوهم ويقتسموا معهم حقوقهم.
كما إنني أتوقع وأنتظر أن يكون لهيئة مكافحة الفساد دور في فضح هؤلاء والتشهير بهم، لأنهم يحتالون ويغتصبون ما ليس لهم
قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" ثم تكمل الآية لتخبرنا عن المصير: "ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا". سورة النساء.