كم مرة تابعنا أزمات لمؤسسات حكومية أو خاصة، أو شخصيات عامة على شبكات التواصل الاجتماعي، وقبل أن تتحرك المؤسسة أو الشخصية المعنية تكون الأضرار الناجمة عن الأزمة قد استفحلت وأخذت مداها.

القضية أن كل شيء متوقع وكذلك لا شيء متوقع! بمعنى، نعلم جيدا أنه في وقتنا الحالي أصبح الجميع تحت المجهر ولكن أي مجهر وبيد من، من المحرك ومن المستفيد، هل هناك قضية بالأصل، وإن كانت هنالك قضية أو خلل ما هل يُستخدم لأجل الصالح العام أم يحوّر ويُكبّر من أجل مصالح أو أجندات خاصة؟

لنتحدث عن النوع الأول الذي يهاجم في وسط ينادي بحرية الرأي لكنه في نفس الوقت يضع قيودا يصعب معها التحرك، إن تكلمت تُصنف مع هؤلاء وإن جنحت إلى الصمت تصنف مع هؤلاء، وشتان ما بين الاثنين!

لم يعد اللون الرمادي يُعجب، أي لا يسمح لك بأن تسأل أو تبحث بنفسك للتأكد ومن ثم تتخذ قرارك، يمنحونك الساعة ويمسحون العقارب! يتشدقون بأنهم من أتباع مقولة: أنت بريء حتى تثبت إدانتك، ويتعاملون معك على أنك متهم ولا يحق لك إثبات براءتك! كيف يتصرف أصحاب هذا النوع حين يجدون أنفسهم في عين العاصفة، يستيقظون ذات صباح "ويا غافل لك الله" يجدون أسماءهم تُتداول في "وسم" على تويتر أو فيس بوك أو مشاهد غير واضحة أو مقتطعة أو حتى مفبركة لهم على يوتوب، وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي! يُسلخ ويُشّرح ويُجَّر ويُصلب ثم هو وحظه، قد تظهر براءته أو لا تظهر، لا يهم طالما هنالك عاصفة والجميع يريد أن يشارك، كلّ يحول الأمر في اتجاه قضيته، وإلى أن تستيقظ الضحية من المفاجأة يكون "الذي ضرب ضرب والذي هرب هرب"، وابحث أيها المسكين عن الأصل أو المنشأ للخبر إن كنت قادرا ولديك الوسائل التقنية التي تساعدك على ذلك، وإلا توقع الخسائر المعنوية والمادية والاجتماعية والمهنية، هذا إن لم تخسر مركزك وحريتك فوق البيعة!

هنا وجب محاربة نار أزمة شبكات التواصل الاجتماعي بمائها، أي بالذهاب إلى الأصل أو منبع الخبر إن تمكنت من معرفته والرد من خلاله، المهم ألاّ تترك الفرصة لغيرك للرد عنك، أنت صاحب الشأن وأنت من يجب أن يرد، فأنت لا تعرف نوايا كل من يرد عنك أو مؤهلاته الحوارية أو حتى معلوماته عنك، وبدلا من أن يخرجك من الأزمة قد يغرقك أو يدفنك! لسنا معصومين من نيران الغيرة والحقد والكراهية، ولسنا أيضا معصومين عن الخطأ، ولكننا بالتأكيد قادرون -إن وُجدت لدينا الإرادة- على الدفاع عن أنفسنا، إن أخطأنا نعترف ونعتذر وبصدق، وإن لم نخطئ فمن حقنا أن نقف ونواجه، وبالنهاية من يصدق ويقف معنا سيفعل، ومن لا يريد قد يتوقف وقد يتابع ولكنه بالتأكيد يدرك أننا لسنا لقمة سائغة تلاك في أفواه الجهلة، بل أشواك في الحلق.

أما النوع الثاني الذي هو عبارة عن مؤسسات أو شركات أو مدارس أو جامعات أو حتى وزارات، حين يجدون أنفسهم في عين العاصفة، الكثير منهم يتجمد! لماذا؟ لأنهم في الواقع لم يكن لديهم خطة عمل أو أنه لم يكن من أولياتهم "الزبون" أو المراجع، كيف؟ لأن ترك الأمور للصدف أو التعامل مع القضايا حسب ظهورها يعدّ أكبر خطأ استراتيجي في مخطط مواجهة الأزمات، مثلا كأن لا يوجد لديهم جيش من المتابعين على شبكات التواصل الاجتماعي، وعلى مدار الساعة ليلتقط أول ظهور للقضية ومن ثم تحويلها للجهة المختصة في المؤسسة للرد عليها فورا، وعدم تركها لهذا أو لذاك من الموظفين في المؤسسة للرد، عدا أن الكثير من المؤسسات لا تقوم بتوعية موظفيها بخططها الحالية والمستقبلية وكيفية التعامل مع الأزمات، نجد أنها تتركهم في الظلام وحين يتقدم أحدهم للمواجهة، بدلا من أن يحل الأمر يزيد من تعقيده ويؤخذ على أنه الموقف الرسمي للجهة المعنية! إن من أهم الخطوات الأولى التي يجب أن تؤخذ في الحسبان والتطبيق، هي تحمل المسؤولية وعدم تقديم تبريرات واهية واحترام ذكاء المتلقي، بمعنى أدق الاعتراف بالخطأ والاعتذار، ثم القيام بفتح قنوات اتصال موحدة على إحدى شبكات التواصل، للرد واحتواء ردة الفعل سواء كانت غضبا أو تساؤلات، المهم ألاّ يُترك الأمر للتفسيرات والتأويلات، وأن تكون الردود صادقة وواضحة، إضافة إلى عرض وإيضاح شامل للإجراءات التي ستتخذ في التعامل مع القضية في الوقت الحاضر وفي المستقبل كي لا تظهر ثانية؛ منها احتواء الأزمة بمهنية ومصداقية وقبل كل ذلك بإنسانية لأنهم يتعاملون مع بشر، فبالاستعداد والمهنية لا تتمكن المؤسسة من احتواء الأزمة فحسب، بل ستتمكن أيضا من استخدام السلبيات وتحويلها إلى مصلحتها طالما أنها في دائرة الضوء أي "إعلان مجاني" لتركز من خلاله على نشر نقاط القوة والأهداف وغيرها من الإيجابيات، وبعد مرور العاصفة يجب أن تُسجل كل التعليقات والردود وتدرس للتعرف على الثغرات وأفضل طرق التعامل.

إن الأزمات التي تنشأ من رحم وسائل التواصل الاجتماعي أصحبت كالطاعون، لا يمر يوم دون أن نجد واحدة تستأثر بانتباه الكثير؛ منهم جهلة ومنهم مثقفون، الجهلة عادة "مع الخيل يا شقرا"، أما المثقفون فهنا يكمن الخطر لأنهم يقتاتون على غيرهم من أجل أن يقولوا "نحن هنا ونحن معكم"! وبدلا من أن يكونوا العقل المفكر يتحولون إلى الفكر المدمر! لهذا وجب علينا كأفراد ومؤسسات التحصن بالوعي وبالاستعداد لكل طارئ وألا نترك الأمور للصدف ثم نتحرك!