اختلف علماء الاجتماع حول الأسباب التي تتحكم في حركة المجتمع وتغيرها وتطورها، وأجدني ميالا إلى القول إن تلك الحركة تسير وفق قوانين الحاجة والمتطلبات الحياتية بمفهومها الواسع، أكثر بكثير من سيرها وفق رؤى فكرية معينة أيا كانت تلك الرؤى، وتبعا لهذا أقول إن عمل المرأة – مثلا – في مجتمعنا السعودي يسير وفق تلك الحاجات والمتطلبات أكثر من سيره وفق الرؤى المعارضة أو المؤيدة، وهو سيحقق قفزات نوعية في سيره هذا بينما ستظل تلك الرؤى الفكرية تتصارع إلى ما شاء الله، وسيأتي زمن تصبح فيه تلك الرؤى الفكرية محط تسلية وربما سخرية وذلك إذا تذكرها أحد لأن عجلة الحياة التي تسير إلى الأمام لم تعد تتذكر –على سبيل المثال – معارك (الدش الفضائي ولا جوال الكاميرا ولا معاهد وكليات التمريض للبنات ولا الابتعاث ولا غيرها)، وما يدور حاليا من تصارع حول عمل النساء –كاشيرات – سيلحق بما سبقه من صراعات وصرعات انتهت إلى غياهب النسيان، وستمضي عجلة الحياة وفق قوانينها الطبيعية التي لا يستطيع أحد إيقافها أو تسريعها، فالمسألة محكومة بحاجات ومتطلبات المجتمع التي بطبيعة الحال لن تند أو تخرج عن قيمه الأصيلة التي لا يستطيع فكر أن يزعزع قناعته بها لأنها من القوة والرسوخ بحيث يتعسر تغييرها وهي إن لم تكن كذلك فلا قيمة لها. أقول هذا بعد أن قرأت كثيرا مما نشر وقيل حول عمل المرأة في بلادنا منذ سنوات طويلة، ولن يتوقف في اعتقادي هذا السيل من الاختلاف بينما عمل المرأة يمضي في سبيله، ولعلني أشير إلى آخر ما شاهدت من مسلسل الاختلاف حول هذه النقطة يوم الجمعة الماضي في برنامج – البيان التالي – الذي يقدمه زميلنا المتميز عبدالعزيز قاسم على قناة – دليل – وأود أن أقول إنني من قبل أن أتابع الحلقة كنت أستطيع أن ألخص ما سيدور فيها، بل وحتى نتيجة تصويتها لمعرفتي بفكر الضيفين الكريمين في الحلقة الزميل جمال خاشقجي والشيخ محمد السعيدي، ولمعرفتي المسبقة أن اتفاقهما مستحيل، لأن الاختلاف فكري حول المرأة نفسها كينونتها وحريتها الشخصية، وليس اختلافا فقط حول عملها، فالاختلاف ليس تنمويا يركز في البحث عن الأفضل للمرأة في ميدان العمل حتى وإن بدا في بعض جوانبه كذلك، لكنه اختلاف جذري يتمترس حول خلافات فقهية عن شكل حجاب المرأة واختلاطها بالرجال وخروجها من البيت وحتى صوتها، والدندنة حول هذه الأمور تأخذ صورا غير مباشرة من التجليات حين يكون الحديث حول حق المرأة الشرعي والطبيعي في العمل كما تشاء وحسب الفرص المتاحة وليس كما تريد الوصاية لها، وإلا فمن يرفض عملا من بيته سواء كان رجلا أو امرأة إذا كان دخله أفضل من عمل يخرج له يوميا، وكيف يمكن القبول بأمن الفتنة إذا اشترت المرأة من الرجل ولا تكون مأمونة إذا اشترى الرجل من المرأة، ومن هو الذي يرفض أربعة ملايين فرصة عمل عن بعد للجنسين وليس للنساء وحدهن، لكن حركة الحياة الاجتماعية تتغير وتتطور وفق حقائق ومعطيات على الأرض وليس في ضوء الأحلام والتوهمات وتخيل المؤامرات، وهذا هو الفيصل في الأمر وليس غيره.