في ليالي شهر رمضان المبارك، وقبل أذان الفجر بالتحديد، يتذكر الناس كثيرا فضيلة الشيخ محمد أمين بن الحاج متولي الشعراوي -رحمه الله تعالى-، وبوضوح يمكن أن يقول أي متابع للشأن الشرعي والإعلامي منه بالخصوص أن السنين الـ17 الماضية لم تنس الناسَ الشيخ الشعراوي، الذي رحل عنا بعد أن ترك وراءه تراثا علميا وفكريا مهما، فرض به نفسه أمام الجميع كأحد أبرز علماء العصر، وصاحب أول تفسير شفوي؛ قدم به تفاسير السابقين بلغة يتسابق إليها العوام والعلماء معا، فعلى الرغم من أن علم التفسير علمٌ دقيق، وغالباً ما يُقدم في قوالب صارمة، ولغة عالية، إلا أن الشيخ -يرحمه الله- نجح في تقريب المعاني الصعبة، والمسائل الدقيقة لكل من سمعه منه.
عرف الناس الشيخ الشعراوي، وتوثقت صلتهم به، من خلال البرنامج الشهير (نور على نور)، الذي كان يفسر فيه كتاب الله العزيز، وقد بدأ هذا البرنامج في السبعينات من هذا القرن، ومن خلاله ذاع صيته في مصر والعالم العربي والإسلامي، ومن التلفزيون المصري انتقل البرنامج إلى إذاعات وتليفزيونات العالم الإسلامي كله تقريبا، هذا إضافة إلى جملة برامج أخرى مهمة مثل برنامج (من الألف إلى الياء)، وبرنامج (الخواطر الإيمانية)، وبرنامج (الجائزة الكبرى)، وبرنامج (أنت تسأل والشعراوي يجيب).
لا يأتي رمضان المبارك -كما ذكرت- إلا ويتذكر الجميع الشيخ الجليل؛ الذي كانت له وقفات في غاية الدقة، أذكر منها هنا بعض ما يناسب الحال والمآل: يقول الشيخ "كنت أناقش أحد الشباب المتشددين فسألته: هل تفجير ملهى ليلي في إحدى الدول المسلمة حلال أم حرام؟ فقال لي: طبعا حلال، وقتلهم جائز، يقول فقلت له: لو أنك قتلتهم وهم يعصون الله ما مصيرهم؟ قال: النار طبعا، فقلت له: الشيطان أين يريد أن يأخذهم؟ فقال: إلى النار طبعا، فقلت له: إذن تشتركون أنتم والشيطان في نفس الهدف؛ وهو إدخال الناس إلى النار".
الجانب السياسي في شخصية الشيخ الشعراوي لم يظهر كثيرا؛ لطغيان الجانب العلمي الشرعي، ومع هذا فإن الشيخ وصل إلى مستوى مكّنه من تكوين شخصية سياسية مستقلة، فقد رأى أن إقصاء الآخرين، والاعتماد على منهج المغالبة لا ينسجم مع الواقع.. للشيخ مقابلة صحفية مهمة ذكر فيها من الدرر ما يستحق أن نعيد النظر فيها مرات ومرات؛ قال الشيخ في تلك المقابلة: "الإرهاب ليس في الإسلام، والمسلم لا يمكن أن يكون إرهابيا، وخصوم الإسلام عزّ عليهم أن يخترقوا الإسلام من باب واحد هو الهجوم الصريح عليه، فدخلوا من باب ثان هو العمل على إفساد العقيدة، وإثارة التعصب في أصحاب العقول والنفوس، وخططوا لاستغلال المشاعر الدينية في عامة المسلمين ورفعوا شعارات ظاهرها الرحمة، وباطنها العذاب، وبكلمات حق يراد بها باطل؛ عملوا على هدم الأساس الذي يقوم عليه الإسلام وهو التسامح وحرية العقيدة {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} وأضاف: "إن المضللين يعيشون في خواء ديني، وبدون خميرة إيمانية، ومن لديه علم بالإسلام يحكم على هذه الجماعات بأنها غريبة وليست من الإسلام، ومع وضوح الضلال في دعوتهم وجدوا من يستمع إليهم ويتبعهم". وقال: "الإسلام الصحيح لا يمكن أن يختلف عليه أحد، هو إسلام واحد، والجماعات وسيلة لتفريق المسلمين، وليست وسيلة تجميع".