فعلاً يحتار الكاتب، أي كاتب، عندما يهم في كتابة مقال يتناول فيه حالة التوحش الإرهابية التي تمر بها منطقتنا؛ حيث ما يجري عندنا من إجرام وتوحش لم يسبق له مثيل، لا في تاريخنا القديم أو الحديث، ولا في -حسب علمي- تاريخ الإنسانية الحديث. برغم أن بعض الباحثين أثبت أن تنظيم داعش قد سبقه أكثر من 832 حالة مشابهة له في تاريخنا الإسلامي. وبرغم ذلك، فهذا مبرر غير مقبول بأن يكون بيننا، أو تخرج من عندنا تنظيمات متوحشة ونحن في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين؛ عصر العلم، والقانون والتحضر والتقدم والإعلام المباشر والشفافية ويفترض والضمير.. إلخ.

نعم كانت الحروب موجودة منذ بداية البشرية، ولم تخل منها أمة واحدة لا في ماضيها ولا في حاضرها، ولكن في كل هذه الحروب، كان توجد هنالك أخلاقيات تتبع ومقدسات لا تمس ومحرمات لا تتجاوز، بقدر المستطاع. ومن يتجاوزها يستنكر عليه ذلك، من قومه قبل خصومه أو أعدائه، ومن الممكن أن يعاقب على ذلك. وما المحكمة الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب، إلا محصلة للتراث الإنساني الموجود عند البشرية منذ ما قبل التاريخ. وعلى رأس هذه المحرمات، قتل الإنسان الآمن غير المحارب وتدنيس مقدسات الغير.

إن ما يجري حولنا من توحش غير مسبوق، ينفذه أبناؤنا بنا وبمن هم حولنا، على مشهد من البشرية أجمع، لهو ظاهرة لا أخلاقية مخزية، لم يسبق لها مثيل، وعليه تستحق التوقف عندها والبكاء والنحيب حولها، ثم التفكير ملياً بها. ما يهمنا هنا، هو أبناؤنا الانتحاريون المنضوون تحت إمرة "داعش" أو جبهة النصرة أو "القاعدة" أو غيرها من تنظيمات إرهابية بغض النظر عن من أسسها ومن يرعاها، ومن يدعمها ومن يمولها، هذا شأن خارجي، وانغماس أبنائنا وتماديهم بارتكاب الجرائم ضد الإنسانية وتدنيس المقدسات، هو شأن داخلي، وهذا ما يجب أن يهمنا، ولا يشغلنا عنه شاغل.

طبعاً هم أبناؤنا من ينفذ هذه العمليات الإجرامية القذرة والمتوحشة، ومن يقول غير ذلك فهو شريك لهم في ذلك. ومن يتحدث عن أنهم مجرد أفراد، لا ظاهرة، كما يحلو للبعض ترديدها، فهو كذلك داعم لهم في جرائمهم. أنا أعرف أكثر من عشرة شبان من أقاربي بالاسم والرسم والصورة والهوية، منضوين تحت هذه التنظيمات التوحشية في الخارج، وقد يكون هنالك مثلهم في الداخل أو أكثر. ومن النادر أن تحصل على سعودي لا يعرف قريبا أو جارا له مرتبطا بتنظيمات الإرهاب والتوحش هذه. إذاً، فمشكلة الإرهاب والتطرف لدينا هي ظاهرة وليست طارئة، ونحن ومن حولنا شهود على ذلك.

نعم، يتم اختيار أبنائنا لتنفيذ العمليات الأكثر رعبا وتوحشا، مثل تفجير أنفسهم بأبرياء في مساجد أو مجالس عزاء أو أسواق شعبية وما شابه ذلك. وأبناؤنا يقادون لمصائرهم المشؤومة كالخرفان، لا كالشجعان؛ برغم أن البعض يرى ذلك شجاعة، وهم المؤيدون لهم، حيث الشجاعة لا ترى إلا في قتال المقاتلين، لا المسالمين. ثم هم يموتون، كما يصرحون هم بذلك قبل موتهم؛ من أجل غرائزهم الجنسية الحيوانية (الحظوة بحور العين)، اللواتي ينتظرنهم وهن متلهفات لمجيئهم، لا غير؛ فليس لديهم قضايا مهمة، سواء اتفقنا معهم عليها أم اختلفنا.

إذاً، فمن أدخل في عقولهم أن التدنيس هو أرقى درجات التقديس المؤدية بهم إلى أحضان حور العين؟! جميع البشر، على مختلف أديانهم، ومشاربهم؛ يعتبرون دور العبادة من الأماكن المقدسة التي لا يجب أن تمس بأذى بأي حال من الأحوال، أي في جميع الأديان والشرائع البشرية والأخلاقية، من دخل مكان عبادة فهو آمن؛ أو يفترض بأن يكون كذلك. ثم إن جميع الأديان والشرائع البشرية والأخلاقية تعتبر إزهاق روح الإنسان البريء جرما عظيما لا يضاهيه جرم. أبناؤنا يرتكبون الجرمين، وهم يضحكون ويصلون على القاتل الضحاك! فمن أين تشربوا فكرة أن تدنيس المقدس أعلى درجات التقديس؟!

نحن دوماً نردد وبفخر، أننا مجتمع مسلم، متدين ومحافظ ومتماسك، وإلى آخر معزوفة سيمفونية الضحك على الذات. ولو كان هذا حقيقة، أو يقرب من الحقيقة، فكيف خرج من أصلابنا شباب يعتدي على أقدس المقدسات، حياة البشر المسالمين، ودور العبادة! لا بل ويجمعون بين هذين الجرمين؛ ويقتلون أبرياء في دور عبادة وهم يضحكون! من وعى حالة التضاد بين أقوالنا وأفعال أبنائنا، ولم يبك عليها نحيبا فلا قلب له، وليبحث له عن قلب إنسان. ومن وعى حالة التضاد بين أقوالنا وأفعال أبنائنا، ولم يفكر بالخلاص الجاد منها؛ فلا عقل له، وليبحث له عن عقل إنسان. ومن وعى حالة التضاد بين أقوالنا وأفعال أبنائنا، ولم تحزنه الحالة، فلا ضمير له، وعليه البحث عن ضمير إنسان. ومن وعى حالة التضاد بين أقوالنا وأفعال أبنائنا ولم تقلقه الحالة، فلا أخلاق له؛ وليبحث له عن أخلاق بشر، ولو سلفة، من أجل إنقاذ نفسه والحفاظ على الذات لا غير.

إبليس الذي طلب من الله أن يمهله على الإنسان، ليوم القيامة؛ لم يكن يحلم أن يضلل أحدا منهم بأن تدنيس المقدس أعلى درجات التقديس، فما بال أن يضلل فئة لا بأس بها في مجتمع واحد يعتبر نفسه أكبر أعداء إبليس؟! وها هم فعلوا بأنفسهم ما لم يحلم إبليس أن يفعله بهم. إن تدنيس المقدس، باسم المقدس نفسه؛ لهو أعلى درجات الإجرام في حق البشرية والذات. في نظرة عميقة حول ما يدور حولنا؛ لن تشاهد أحدا يتجرأ على قتل النفس البريئة وتدنيس بيوت العبادة سوى الصهاينة؛ والسؤال الذي يجب أن يقلقنا إن كنا فعلاً نريد إنقاذ أنفسنا وأبنائنا، قبل غيرنا: ما العامل المشترك، بين الفكر الصهيوني والفكر الذي يزرعه بعضنا في عقول أبنائنا؛ والذي في النتيجة أدى إلى صهينة أقوالنا، ثم صهينة أفعال أبنائنا؟

هنالك إجرام وتوحش مكشوف، والذي يقوم به بعض أبنائنا، في تفجير مساجد أهلنا ومواطنينا الشيعة في بلادنا، والآن امتد لجوارنا في النهاية، إذا لم يتم تدارك الأمور ولجمها والقضاء عليها بكل حزم وعزم وجدية، فقد يصبح شبابنا خطرا على من حولنا، من الأصدقاء قبل الخصوم والأعداء، ثم تتكالب علينا الأمم، كتكالب الأكلة على القصعة، وتمزقنا شر ممزق. وعلى هذا الأساس يجب الوعي والإدراك، بأن تدنيس المقدس باسم التقديس لهو أعلى درجات الخطر على الذات قبل الآخر؛ حيث المقدس هو مشترك عالمي؛ لا يشذ عنه أحد.

والسؤال الآخر الذي يجب أن يطرح نفسه علينا، وبإلحاح: هل هنالك خط إنتاج للتوحش في مجتمعنا؟ من الشجاعة والثقة في النفس، أن نقول نعم؛ وإلا فليثبت لي من يقول لا؛ بأن من يقومون بفعل التوحش ليسوا أبناءنا أو هم ليسوا من أصلابنا، وإنما هم عمل غير صالح.

من فجر مقدس الآخر، لا تضمن بأنه لن يفجر مقدسك، فلا مقدس له أو عنده سوى غرائزه الحيوانية.