د. بندر آل جلالة
تخيل معي هذا السيناريو: (تدخل مستشفى حكوميا، المدخل نظيف ومرتب، يستقبلك موظف الاستقبال بكل احترام، يأخذ معلوماتك بشكل سريع متقن، يعطيك رقما، تدخل غرفة انتظار مجهزة بلوحات توعوية جميلة مرتبة، يأتي دورك، يستقبلك الممرض، يأخذ منك معلومات أولية ويرتب ملفك، يأتي الطبيب فيعطيك الوقت الكافي لشرح مشكلتك، ثم يقدم لك الخدمة العلاجية بكل دقة، تتوجه للصيدلية فتجد الصيدلي مجتهدا في تقديم الدواء في وقت وجيز مع تقديم شرح عنه، وأنت في طريقك للخروج ترى المدير المناوب يتفقد سير العمل ويستمع للمراجعين ويحفز العاملين، تتجه إلى بيتك وأنت مرتاح البال مستقر النفس تشعر بأنك إنسان له قيمته، وتنتظر أن يأتي الغد لتذهب إلى عملك لتؤديه بكل إتقان واجتهاد وتحمل لخدمة أناس آخرين ينتظرون منك تقديم الخدمة الراقية لهم)!
قراءة ما سبق قد يقود البعض للتبسم حسرةً وحزناً على ما يجدونه في العديد من الدوائر الحكومية الخدمية من إهمال وتقصير وإنهاك نفسي وجسدي في سبيل الحصول على حق إنساني في شأن من شؤون الحياة!
قلما تجد شخصاً يشعر بالرضا والارتياح حين يهم بإجراء معاملة، أنا شخصياً مثل المئات قد تكونت لدينا عقدة نفسية من مراجعة بعض الدوائر الحكومية!
صحيح أن بعض الجهات تؤدي عملها بإخلاص وإبداع ولكنها قليلة جداً وتعتبر استثناء.
السيناريو في بداية المقال هو بكل بساطة وجه من وجوه التنمية والنهضة، وللأسف فكثير من المفكرين والمختصين عقدوها إلى درجة أنها أصبحت كحلم يصعب تحقيقه!
التنمية بكل بساطة هي تطوير وتحسين حركة الناس اليومية في أعمالهم، والنتيجة هي صناعة حياة كريمة لأفراد المجتمع، بغض النظر عن أهمية وجود الخطط الإستراتيجية والمرحلية وصناعة الأهداف وغيرها من الأفكار التي بات الواحد منا يقرأها في الصحف وعلى جدران بعض الجهات بينما الواقع ليس له علاقة بها أبداً!
بكل اختصار نحتاج فقط أن يتقن كل منا عمله، والإتقان يتطلب جهدا وإخلاصا وحرصا على خدمة الآخرين، كما هو الحال في كثير من دول العالم المتقدمة.
بل قد لا نحتاج كثيراً للإبداع إلا في مجالات معينة، فمعظم ما يحتاجه الإنسان خدمات روتينية.
إن من المؤلم أن يتعب الشخص ويضطر للبحث عن واسطة لينهي معاملة هي في حقيقة الأمر حق طبيعي من حقوقه!
الهدف الأساسي لأي تنمية حقيقية هو توفير حياة كريمة للإنسان من حيث المسكن والصحة والتعليم والنقل وغيرها من أمور لا زالت في تفكير البعض كحلم بعيد المنال!
أغلب الناس يظن أن عملية النهضة والتنمية لابد أن تقودها الحكومات وتتحكم فيها بمفردها، بينما لدي قناعة أن دور الموظف وصاحب العمل هو المسؤول الأول عن خدمة غيره بجودة وإتقان، فذلك الدور هو الركن الأساسي لأي توجه تنموي وبدونه مجرد شعارات وكلمات تتلألأ على صفحات المخططين، وبعضها قد لا تساوي قيمة الحبر الذي طبعت به!
التنمية ليس عملية معقدة، التنمية ليست حكرا على شعب معين أو بلد معين، التنمية الصحيحة المتوازنة هي التي تصنع وتقوي الطبقة الوسطى في المجتمع، والتي بدونها أو في حال قلة عدد أفرادها ستكون النتائج وخيمة!
وفرة المال وتعدد الخطط ورفع الشعارات ليس لها تأثير كبير كما هو تأثير الموظف وصاحب العمل في الواقع.
ولهذا أستغرب كثيرا ممن يتحدثون في المجالس عن وجود الفساد وانتشاره، في ذات الوقت تجده مهملا في عمله ويؤخر المراجعين ولا يهمه سوى إنجاز معاملات المقربين، ويتعذر بأنه يقع تحت ضغط من إدارته وهضم لحقوقه، ويرى نفسه أنه ضحية فاسدين، في حين يتجاهل حقيقة أن الفساد يبدأ من عنده هو. فإذا كان يعاني فما هو ذنب المراجع؟! ثم أين تأثير تلك المعاناة حين يفزع ويخدم المقربين وينهي معاملاتهم؟! بل وقد يخترق النظام أيضاً من أجلهم!!
إذا أراد مجتمع معين أن ينهض فلابد ألا يتم تعقيد الطريق نحو النهضة، فالرفع من أداء حركة الناس اليومية في أعمالهم وتحسينها هو الشرط الأول والأساسي، وأقصد بذلك كل الموظفين الكبار والصغار وكذلك أصحاب الأعمال في مختلف المجالات، وإذا وجدت خططا فعلية ورؤية واضحة وأهدافا عالية فسيكون أفضل بلا شك.
وبدون كل ذلك ستستمر بعض المجتمعات في السير إلى الخلف!