لا أملك غير عنوان للحب توجت به المقالة، ولو أردت أن تتوقف عند العنوان فسيكفي لأن ما هو قادم توضيح لهذا الحب أو دفاع عنه. الحرية هي أكبر قيود الإنسان وهي الأمانة التي تحمّلها ليقرر شكل حياته وخياراته، وبقدر تعاطي الإنسان مع هذه الحرية يكون إنسانا. حرفان فقط "حُرّ" تعني أن كل سلوك أو أقوال أو أفكار يطرحها الإنسان للناس هي ما تعبر عنه أو تكشف نواياه ولو حاول إخفاءها؛ حُر أن تحب أو أن تكره ولكن لا حرية لك في تصنيف الناس حسب حبّ أو كره! وحُر أن تقول أو تنتقد دون أن تكون في نقدك شنيعا أو متشفيا، أو مسيئا حتى لا يكون الرد عليك بشطر المتنبي: "ويكره الله ما تأتون والكرم".

حتى الأنبياء والمصلحون واجهوا الاعتراض والهجوم، ولا بأس ما دام الله جعل للإنسان حق اختيار أحد النجدين ليصل إلى جنة أو نار عياذا بالله منها. مرت سنوات حكم الملك الراحل العظيم عبدالله بن عبدالعزيز سريعة، وهذا شأن اللحظات السعيدة في حياة الإنسان، فكنا نضع أيدينا على قلوبنا حبا له وخوفا عليه، وبكينا في عهده كل رحيل وكأننا كنا نرجو الرحيل ألا يحل سريعا!

ما أعجب المحب فهو شفيق ورفيق بمن يحب! ففي عهد أبي متعب تعبت قلوبنا من حب فاض علينا من قلبه. من عاش هذا العهد الجميل بكل تفاصيله لن ينساه ما حيي، كما لم ننس كل إنجاز تحقق في عهد سبقه أو كل حرب خضناها أو كل يد مددناها وفاء.

أن يهاجم أحد اليوم عهد الملك الصالح ولم تمض إلا بضعة أشهر على رحيله فهو يتجاهل أننا عشنا ما يتحدث عنه ويحاول أن يزيفه، فلا تزال بذور إنجازاته الخيرة تنمو وتشتد على سوقها وتطرح بعض ثمارها، ولن أعدد ما يدركه الجميع من نقلة رافقت طفرة أسعار النفط التي أثرت الميزانية. كان -رحمه الله- أشبه بمن يزرع شتلات أشجار الزيتون ولا ينال محصولها؛ فقد زرع وصنع ووسع وقرر وقدم لجيل لن يعيشه!

مضى عهد عبدالله وجاء العهد "السلماني" ولم يكن بين العهدين إلا كما بين العين وأختها من تشابه واختلاف، أغدق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان على الشعب وأكمل مسيرة أخيه؛ فلم يوقف أمرا أمضاه الراحل، وقدم للوطن وللمواطن أذنا صاغية وعينا راعية، فلم نعد نرجو له بطانة صالحة، فقد أصبحت كلماتنا ومطالبنا واحتجاجاتنا على ما يعترض مصالحنا تسري له بليل فلا يطلع عليها نهار إلا وقد أنصفنا.

سمّوه سلمان الحزم وسموه العزم وتنافست الألقاب إليه؛ ليثور سؤال مهم ما الفرق بين العهدين؟!

الفرق البيّن أن سياسة الملك عبدالله -الذي لو اخترنا لعهده اسما لقلنا إنه عهد الحوار- هي سياسة واجهت الإرهاب بالمناصحة، والعنف باللين، والنفور بالإقبال، وقدمت للمواطن حقوقا مادية وإنسانية، إلا أن هذه السياسة استغلها من لا يحسن إدراكها فبدأ يثير القلاقل ويحرض ويصادم بمناصحة مضادة أو غلظة في القول، أو دس السم في الدسم في مواجهة كل قرار اتخذ بشأن المرأة مثلا، أو الابتعاث وكان لا بد -ومن باب حماية حرية الآخرين أيضا، وحماية بقية مكونات المجتمع من المنفلتين سواء لبسوا مسوح الدين أو بدلات السياسة والمعارضة- من وضعهم في حجمهم الحقيقي. واجه عهد الملك عبدالله نماذج خرجت من فكر مهاجر، أجساد أتباعه بيننا، وأخفقت هذه الأسماء في كل شيء إلا أنها أثبتت شدة التفاف الشعب خلف ملكه.

حبا بالملكين أقول: إن كل ملك مَرَّ على المملكة لم ينقض عهدُه عهدَ من سبقه، بل رفده وزاد عليه، فلم نَرَ أي تناقض بين عهد وعهد بل زيادة وعطاء تتلو الأخرى. ليس الحب فرض عين ولا فرض كفاية ولكن المحب ينعم في حبه، والكاره يقلب نفسه تقلب الشواء على النار، إلا أنه لا ينضج ولا يكتفي من ناره والعياذ بالله! وبين الملكين ملك اعترف بالفساد وحاربه، وملك قال وهو يؤكد في خطاب له على "تحقيق العدالة لجميع المواطنين، فلا فرق بين مواطن وآخر، ولا منطقة وأخرى" وقال "وجهت وزير الداخلية بالتأكيد على أمراء المناطق بالاستماع إلى المواطنين".

بين الملكين كان "الآخر" حوارا وكان "المختلف" في الوطن مواطنا.

بين الملكين وكل ملكين بيعة قلوب أحبت حكامها، وحكام لم تظلم أو تقمع شعوبها وتقبلت المختلف عنها، ودافعت عنه ووقرت الكبير ولم تهضم حق الصغير.

بين الملكين حالات إنسانية التقطتها الكاميرا وحالات ومواقف أكثر إنسانية رواها من كان حاضرا حين تتوقف الكاميرا عن الدوران. بين الملكين مساحة لا تقبل من عاقل أن يعرض بأحد الأخوين في عهد أخيه.

ختاما، أقول حفظ الله الملك سلمان وطنا واعدا بكل خير يمتد من قلبه، ورحم الله الملك عبدالله تاريخا كتب ولا ينسى.