ما الذي دفع شابا في مقتبل العمر إلى ترك أهله ووطنه وحياته الرغيدة والسفر إلى دولة مجاورة لتفجير نفسه في مصلين صائمين لا يعرفهم فيقتل ويصيب العشرات؟
السؤال كان الأهم بين أسئلة عدة فجرتها جريمة الانتحاري السعودي فهد القباع مفجر مسجد الصادق في الكويت يوم الجمعة الماضي، ولعل كثيرا من الأطروحات والتحليلات والتفسيرات التي قدمها كتاب ومحللون سعوديون قد طرحت أجوبة ناجعة عن هذا التساؤل وغيره.
غير أن بعضهم، في سياق تحليله وتفسيره للحادثة الإرهابية المشار إليها تحدث بمسحة يختلط فيها جلد الذات بالتشاؤم، عما يمكن تسميته "طابور الانتحاريين السعوديين" محملا المجتمع مسؤولية تزايد عدد الانتحاريين والمتطرفين السعوديين، وتحديدا ممن هم دون سن الثلاثين، والحقيقة أن هذه الرؤية ليست منصفة ولا تحمل توصيفا دقيقا لواقع المجتمع الذي نعيش فيه.
وتقديري أن مجتمعنا على الرغم من خصوصته وتمايزه عن مجتمعات أخرى من حولنا إلا أنه –بالقطع- ليس مسؤولا عن تطرف بعض أبنائه، فقد وفر لهم الرعاية والاحتضان والإمكانات تماما كغيرهم من الأسوياء، صحيح أن المتطرفين السعوديين هم طبقة مميزة في التنظيمات الإرهابية، لا سيما "داعش" إلا أن هناك جنسيات عربية وأجنبية أخرى من بينها جنسيات لدول أوروبية، حيث المدنية والحداثة والتنوير والمجتمعات المفتوحة!
وبالطبع، فإن ما سبق ليس دعوة إلى عدم وضع الأصابع على الجرح وتحديد العلاج، فقد كتبت في هذه المساحة قبل عدة أشهر مقالة بعنوان "العائدون إلى الإرهاب.. لماذا نلدغ من الجحر ذاته مرات؟" طالبت فيها بتطوير برنامج المناصحة، والاستراتيجية الأمنية في التصدي للإرهاب وقدمت مقترحات في هذا الشأن.
لكن الحقيقة أن المجتمع الذي يلقي البعض بمسؤولية التطرف عليه هو الذي أفرز أيضا طابورا طويلا من الأفذاذ الذين أبهروا العالم في مختلف المجالات، ولعل نظرة سريعة على قائمة النوابغ خلال الأشهر الستة الماضية فحسب تؤكد ما أقول، فهذا بندر بن عبدالمحسن العصيمي باحث سعودي تمكن من تطوير طريقة فحص فيروسية للكشف عن فيروسات مسببة للسرطان، وينضم إليه محمد الحيدان، وأحمد المنسف من كلية التقنية بالأحساء اللذان نجحا في الحصول على الميدالية الذهبية عالميا في معرض جنيف الدولي للابتكارات 2015، بابتكار "كرسي ذوي القدرات الخاصة"، وهذا الدكتور صخر القحطاني الأستاذ المساعد في كلية طب الأسنان في جامعة الملك سعود الذي استطاع أن يحصل على اعتماد مجلس البورد الأميركي لطب الأسنان الشرعي لابتكاره العلمي الذي يساعد في تحديد عمر الإنسان لمن هو أقل من 23 عاما من خلال أسنانه.
وينضم إلى القائمة أيضا المخترع الدكتور عبدالرحمن السلطان "جامعة الملك فيصل" باختراعه "طريقة للكشف عن المسبب المرضي الأسينيتوباكتر بامانيياي المقاوم للمضادات الحيوية في حالات مرضى السكري ب" الذي حصد جائزة المنظمة العالمية للملكية الفكرية لأفضل مخترع.
ما سبق غيض من فيض لنماذج مضيئة رعاها المجتمع، فيما انحرف غيرهم ممن توافرت لهم نفس الظروف ليصبحوا انتحاريين وقنابل بشرية قابلة للانفجار، فلا تلوموا المجتمع.