على الرغم من أن المكان (مركز الملك فهد الثقافي بأبها ـ قرية المفتاحة التشكيلية) يبدو كأنه خلية نحل هذه الأيام، خصوصا في فترة المساء، إلا أنك لا تكاد تقترب من الفنانين التشكيليين والنحاتين وبعض المسرحيين والأدباء الذين عشقوا المكان، فحاولوا إحياءه باستقبال الزوار بكل أريحية وسعادة، إلا وتكتشف مدى الأسى الذي يكبتونه على المكان الفريد من نوعه حتى على المستوى العربي، وخشيتهم من أن يضطروا في أي لحظة إلى هجرانه، بسبب ما وصفوه بـ"عدم اهتمام الجهات المختصة به، وضعف الدعم المالي والمعنوي للمبدعين الذين هم شعلة المكان".

كثير من المبدعين الذين التقتهم "الوطن" في القرية وجوار مسرحها الكبير الذي لم يعد يستضيف إلا فعاليات قليلة، معظمها خارج إطار ما أسس له، كان همهم الوحيد تقديم رؤى ومقترحات لتطوير مركز الملك فهد الثقافي، وجعله قبلة للمبدعين من جميع مناطق المملكة وخارجها، بما يوازي البنية التحتية التي يملكها مثل المراسم والمسرح والمكاتب الإدارية وغيرها من المرافق التي تحتاج إلى تفعيل أكثر.                             

المشاهير.. وزامر الحي

يقول النحات سلطان عسيري لـ"الوطن": "ها أنتم تشاهدون وجودنا وتفاعلنا الدائم مع جميع المناشط وفي جميع الأوقات، فنحن طوال العام نشارك في جميع الفعاليات سواء داخل المنطقة أو خارجها رغم التهميش وضعف الدعم، لأن لنا رسالة ثقافية وفكرية نريد إيصالها لكل زائر ومتذوق للفن".وأضاف "لا أبالغ إن قلت إن جميع الوفود العربية والغربية التي تزور المكان تثني على ما نقدمه، دون أن تعلم أنه نتاج جهد شخصي، فليس هناك أي دعم مادي أو معنوي، ورغم ذلك لم نيأس أو نحبط".

ويختم "كنت أتمنى أن أكون ممن يوصفون بـ"المشاهير" الذين تحتفي بهم السياحة في عسير، وهم لا علاقة لهم بالفن أو الإبداع، لكن كما يقال "زامر الحي لا يطرب".

بدوره، يؤيد الفنان التشكيلي علي سلمان البشري، قائلا "للأسف، القائمون على السياحة والأنشطة الثقافية في عسير لا يهتمون بما نقدم، فنحن نعاني ضعف الدعم والتجاهل المعنوي والمادي، بل حتى عضوية لجان نشاطات السياحة لا يدخلها أي منا".

وعن أبرز الحلول التي يراها، يقول "دعم الحركة التشكيلية بالقرية من خلال اقتناء لوحات الفنانين لتزيين الإدارات الحكومية بعدة أعمال، ودعم الفنانين من قبل القطاع الخاص، ودعم  إدارة القرية والعمل على إعادة تأهيلها ببناء مساحات جديدة لتكون هناك أماكن ترفيهية ومطاعم، ما يعود عليها بدخل مادي جيد يقويها على النهوض".

إهمال

أما الفنان التشكيلي إبراهيم الألمعي فيرى أن من أهم أسباب ما وصفه بـ"تراجع دور القرية الفني" هو إهمالها وعدم الالتفات لها من قبل رجال الأعمال في المنطقة، وقال "هذا مكان قد لا نجد مثيلا له في عدد من الدول العربية، لكنه للأسف يبقى مقفلا معظم أيام العام، والزوار يتساءلون عن السبب؟".

وأضاف "تراجع دور القرية المستمر يرجع إلى عدم تسليمها لجهة تهتم بشكل حقيقي بها".

وطرح الألمعي عدة حلول سريعة لإنقاذ القرية، منها أن تقوم إمارة منطقه عسير بإيجاد مصادر دعم مادي ومعنوي بشكل دائم، أو أن تُترك القرية للاستثمار من قبل بعض الجهات أو الشركات الكبرى أو رجال الأعمال، مشيرا إلى أهم محرك للقرية هو إقامة معارض دائمة ومدعومة ماليا، وتفعيلها بالورش الفنية المستمرة  للفنانين والمبتدئين، ودعوة كبار فنانين المملكة لإقامة بعض الورش والتجارب الفنية فيها، وإقامة فعاليات مسرحية وأدبية مستمرة لاستقطاب الناس، خصوصا أنها تبقى خاوية لعشرة أشهر، ولا تفتتح إلا شهرين في الصيف، وحتى حراك الصيف يتم بجهود الفنانين الذين يستقبلون الزوار والضيوف بجهود ذاتية ويتحملون كامل المصاريف.                       

رعاة وتنظيم

بعبارة مباشرة وصريحة يقول الفنان التشكيلي ملفي الشهري "المسؤول عن شؤون القرية هم المسؤولون عن وضعها الحالي الذي جعلها تحتضر، والحل الأبسط حاليا هو زيادة الدعاية والإعلان لها، فلا بد أن تكون في واجهة الإعلانات السياحية، ثم العمل على جلب رعاة وداعمين وليسوا مستثمرين للقرية لانتشالها من الغرق البطيء، ثم دعم الفنانين باقتناء أعمالهم من قبل المؤسسات الحكومية والأهلية، وإيجاد تنظيم إداري مستقل للقرية من قبل الهيئة العليا للسياحة أو وزارة الثقافة والإعلام ليتم تنظيم شؤونها المالية والإدارية".

وعن أبرز محركات وهج القرية يقول "القرية مؤهلة لأن تكون مركزا حضاريا وثقافيا وفنيا، وذلك من خلال استقطاب الدورات والمؤتمرات والندوات والتعريف بالعاملين في أروقتها من فنانين وحرفيين ومبدعين وذلك على مدار العام".

تراجع أكيد

يؤيد الأديب والكاتب علي فايع الألمعي ما ذهب إليه سابقوه في الحديث إلى "الوطن"، وقال "لا أحد ينكر هذا التراجع إلا شخص لم يشهد المفتاحة وفعالياتها التي كانت حاضرة بشكل لافت، وهي تحتاج جهودا مضاعفة لاستعادة وهجها، لأن لدينا موقعا فريدا من نوعه، ولو كان بعبقه المختلف لدى غيرنا لكان له شأن لا يقل أهمية وحضورا وفعلا ثقافيا عن مثيلاته في العالم".

وعن أبرز الحلول التي يقترحها لمعالجة وضع القرية يقول "على الجهات المعنية به تحريره من الإدارة البيروقراطية، والدفع بأشخاص أصحاب تطلعات ثقافية ورؤى إبداعية إليه بدلا من التجريب السنوي الذي يتم بناء على توصية أو تزكية، وفتح المجال أمام البنوك ورجال الأعمال في الاستفادة منه في الاستثمار مع الدعم للفعل الثقافي فيه، كما أن له خصوصية ثقافية لا تقبل بغير الفنّ (مسرح، مراسم، فنون)، إلا أن الملاحظ في السنوات الأخيرة أن تلك الخصوصية الثقافية غابت وحضرت ألعاب الأطفال والمعارض المتكررة دون جديد أو تجديد، كما أن دور "شباب منطقة عسير" لا وجود له على الأرض، لأن عملهم تحول إلى تسطيح فعلي للقرية ولعقول الشباب، وكذلك ضعف إمكانات جمعية الثقافة والفنون كان عائقا أمام دورها المنتظر، لذلك إن أراد المعنيون بالثقافة في عسير إعادة دور القرية فعلينا جميعا التخطيط لرؤية ثقافية تناسب المكان وعبقه وحضوره".