سأختم "خامس" مقالاتي لهذا الأسبوع خفيفا ظريفا مستعرضا فيه أبرز مواهبي في تحويل اللقطة العابرة إلى فكرة ومشهد. ذهبت ما قبل البارحة إلى العيادة المتنقلة للتبرع بالدم وعلى الكراسي الأربعة المتجاورة كنا ثلاث جنسيات عربية خالصة. كان الشاب السوري الوسيم يطالع في دمي السائح في الأنبوب الطويل معلقا: يا أخي دمك خفيف. طبعا، من باب النكتة لأن طاقم التمريض كان يطلب مني الضغط باستمرار على الكرة البلاستيكية كي يضمن تدفق دم متثاقل من كثافة "الهيموجلوبين" وكأنه حليب ناقة لم يرضعها صغيرها منذ بضعة أشهر. كان لا بد لي من رد جميل اللغة إليه فبادرته: "ولكن دمك زهري ممزوج بالبياض، وهنا بدأت من اليوم أشك أن الدم، ولونه، هو من يعطينا شكل الألوان". اكتشفت أن الجلد مجرد زجاج شفاف يتلون بحسب لون الدم.

تقع فصيلة دمي في مركز متوسط من حيث "الحروف" في فصائل الدم. أنا في المنطقة "+B" وهو تصنيف يضعك أو يضعني مع اقتصاديات دول مثل إيران وفنزويلا في حجم الاقتصاد ومستقبله. وبالفعل، فلن أغش حتى نفسي مع هذه الفصيلة لأنني أشبه شيئا من "ثورية" أحمدي نجاد و"عناد" المرحوم هوغو شافيز وطول خطبه. هل تلعب فصائل الدم شيئا في سلوكياتنا وأنماط انفعالاتنا وتصرفاتنا النفسية والجمعية. نعم، بعض الأبحاث تؤكد ذلك وإن كانت حتى اللحظة في شك من الإثبات بالبرهان، معظم السعوديين يقبعون في المنطقة "+O" وهو رقم يدخل في الفقرة الأولى عندما تريد أي شركة إشهار الإفلاس وفق مصطلح "chapter 11" في القانون الأميركي. هي أيضا فصيلة تعطي وهذا أيضا توصيف ينطبق على السعودي الذي يعتبر الأخذ والعطاء شيمة عربية. نتسلف ما يوازي معظم رواتبنا من البنوك ولكننا نعطيها في حفلات الهياط ورحلات السياحة.

أختم بالقول بمثل ما ابتدأت: أنا لم أتبرع بالدم ما قبل الأمس من "زودة". أعرف أنهم لن يأخذوا قطرة من دمي إلى بنوك الدم على جبهات الحد الجنوبي، ولكنني هنا أقترح أن يأخذوه إلى "بنكي" المصرفي لتسديد قسطي الشهري الذي سيحل بعد أسبوع.

أختم مازحا: سمعت الممرض يقول لي: نحن لن نعطي دمك لأحد لأننا نخاف عليه من لوثة فكرية أو عرضية. عدت إليه مازحا وقلت له: أتذكر أن صديقا عزيزا كان معي قبل عام وأنا أتبرع بالدم وكان غارقا في الضحك حين شاهدني على سرير التبرع، يا علي: لو أنهم أخذوك إلى أقرب "مجلبة" أغنام ثم أوصلوا "الماصورة" مباشرة من وريدك إلى أقرب "فحل" سديس لم يعد يعمل.