أغبط الشاعر محمد عبدالرحمن الحفظي، لقدرته على الاستمرار في مناجاة الجمال، برغم كل ما يحيط بنا من بشاعة، فكلما نظرت في صفحته على "فيس بوك" وجدت محمد الحفظي – الذي يسير به العمر في عقده السادس – هو محمد الذي حفظت له قبل ثلاثين عاما قوله:
غروب الشمس.. والأشجار.
وهذا الحلم..
في شفتيه أغنية تود تعانق الكلماتْ
تود النطق بالهمساتْ
يحملها خيال الروح في واحاته الرحبهْ
فهو هنا ينطلق من الطبيعة إلى حالته الوجدانية، حين يجعل من غروب الشمس والأشجار مبتدأ الحلم، أو باعثه، وأذكر أنني قرأت للراحل سعد الثوعي الغامدي – رحمه الله – عن هذه المقطوعة كلاما جميلا جديدا بالنسبة إلى مرحلة منتصف الثمانينات الميلادية، لكنني فقدت الصفحة والصحيفة.
وبرغم مشاهد الرؤوس المقطوعة، وتفجيرات المساجد والمواكب والقضاة، ومبرري القتل، وشاجبيه كذبا، فيما هم يؤيدونه بخطاباتهم الشوهاء، وتصنيفاتهم الرعناء، برغم ذلك كله، يواصل الحفظي النزعة الرومانسية كما قرأناها في كتب المذاهب الفنية، فيسقط حزنه على عناصر الطبيعة، واصفا حالها التي تشبه حاله، لينعكس حزنه على الطبيعة، وفي ذلك نوع من التعزي بعوالمها، ليكون حزنه حزنا رومانسيا حرفيا (زي ما قال الكتاب كما يقول المصريون).
يقول عنه الدكتور السعيد الورقي: "والحزن في شعر محمد عبدالرحمن الحفظي، حزن رومانسي تتردد فيه أصداء الرومانسيين العرب"، ولذا يأتي الليل محمولا على أحزان مختلفة، وورود مجهدة لا تقتات إلا من الجدب الذي لا يتواءم مع خصائصها. يقول:
ويأتي الليل تحمله
من الأحزان أشتاتُ
حكايات.. وصوت الحلم ترويه حكاياتُ
ووردٌ مُجهدٌ حولي
من الإجداب يقتاتُ
وفي قصيدة متعددة القوافي، بعنوان: "أسطورة الحلم الجميل"، يغيب أثر الرياح، وتتساوى حركتها وسكونها، بعد فقد الأمل في الحلم الذي أضحى أسطورة، حتى تناثر الكلام أشتاتا، وبات حروفا مبعثرة، وتسافر الرؤى حتى تغيب خلف ضوء الأصيل، وتحمل الرياح الحلم الجميل، وكأن حالات الوجدان تذهب وتأتي مع المحسوسات من عناصر الطبيعة. يقول:
عربدي يا رياح ما شئت وابقي
فالكلام الكثير أضحى حروفا
ويختم القصيدة بقوله:
الرؤى سافرت إلى موعد النسيان
غابت وراء ضوء الأصيل
وتلاشى الحلم الجميل وأضحى
مستحيلا في عالم المستحيل
حملته الرياح يمرح في الأرض ويبكي أسطورة من رحيل
من بقايا روافد وضياء
واخضرار وهمسة وذهول
ما يمارسه محمد الحفظي، منذ: "قصائد من الجبل"، و"لحظة يا حلم"، ودواوينه الأخرى، حتى منشوراته على "فيس بوك"، هو صمود وانعتاق؛ صمود في وجه البشاعة، وانعتاق من أغلال الإحباط، لتبقى في الشاعر روحُه - كما خلقها الله - محلقة نائية عن القبح، إلى ما يليق بها من الجمال.