جاءت النصوص التأسيسية في القرآن الكريم لتؤكد على عدم التمييز بين الرجال والنساء، معززة حضور المرأة كشريكة لأخيها الرجل في نصرة دينها وإنماء مجتعها . ومن هذا المنطلق اتسعت المهام المناطة بها، وأصبح الفيصل والمعيار هو الكفاءة والأهلية لأداء العمل وليس الجنس ؛ ليولي أمير المؤمنين "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه "الشفاء بنت عبدالله القرشية " الحسبة في السوق. وذلك تطبيقا للآية الكريمة : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) . وتولي الحسبة منصب هام؛ كونه يستدعي مراقبة التطفيف في الموازين وسير المعاملات التجارية ومراعاة مصالح الناس ، فضلا على الولاية على العبادات وأداء الشعائر. وكانت الشفاء أهلا لذلك المنصب وقد عرفت بالفطنة وسداد الرأي ؛ كما كانت تتقن الكتابة – وكان ذلك نادرا في وقتها عند الرجال والنساء - ؛ ولكل صفاتها الآنفة كان أمير المؤمنين يستشيرها ويأخذ رأيها في شؤون المسلمين.
أما "أم شريك" فقد كان بيتها مركزا للاجتماعات، وكان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قد أمر الصحابية الجليلة فاطمة بنت قيس بالاعتداد عندها ولكنه عاد وأخبرها بالاعتداد في بيت ابن أم مكتوم موضحا السبب: (تلك امرأة يغشاها أصحابي). وكانت النساء يصلين مع الرجال في صف أو صفوف لهن خلف الرسول صلى الله عليه وسلم، ويستمعن للوعظ ثم يشاركن في النقاش والحوار حتى أنهن يفقن الرجال. وعندما حاول "الزبير بن العوام "منع زوجه الصحابية "عاتكة بنت زيد "من الخروج للمسجد غيرة عليها، ترد عليه قائلة : "يا ابن العوام ، أتريد أن أدع لغيرتك مصلى صليت مع رسول الله وأبي بكر وعمر فيه". فالمرأة المسلمة كانت معتزة بشخصيتها عارفة بحقوقها، لا يستطيع الرجل منعها فيما تثق أنه لا يخالف أوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وها هي امرأة تعترض على أمير المؤمنين عمر في قضية تحديد المهور، فيستجيب لها ويغير رأيه. ويذكر أن التابعية الجليلة "عائشة بنت طلحة" وفدت على الخليفة "هشام بن عبدالملك"، وكانت عالمة بأخبار العرب وأشعارهم وبعلم النجوم، فسر بها ودعا مشايخ بني أمية فحضروا وأفاضت عليهم من علمها وحديثها. وكانت "فاطمة بنت أسامة بن زيد بن حارثة"، ابنة الصحابي أسامة وحفيدة مولى الرسول زيد؛ تفد على الخليفة "عمر بن عبدالعزيز" رضي الله عنه، فيقوم لها احتراما ويمشي إليها ثم يجلسها ويجلس بين يديها.
ورغم محاولات المؤسسة الفقهية التضييق على المرأة، إلا أنها لم تخضع لفتاواها في عصور الحضارة، بل كان لها حضور واسع في كافة مناحي الحياة، وفي طلب العلم وتعليمه. ويتحدث "ابن حزم الأندلسي" عن تأثير النساء في حياته: (وهن علمنني القرآن وروينني كثيرا من الأشعار ودربنني في الخط). وتتلمذ "ابن قيم الجوزية" على يد شيوخ ومنهم "فاطمة بنت جوهر"، وتتلمذ "جلال الدين السيوطي" على يد أكثر من عالمة منهن "خديجة بنت عبدالرحمن العقيلي" و "آسية بنت جارالله بن صالح الطبري".
حدث كل ذلك وأكثر ذات تاريخ ؛ ولا نزال اليوم نناقش تدريس المرأة للأطفال وبيع المرأة لمستلزماتها الخاصة وغيرها من الجدليات!