يستحق مقال الأمير خالد الفيصل، الذي حمل عنوان "الإسلام ينادي.. إن لم نلبِّ.. فمن يلبي؟! أن نعيد قراءته أكثر من مرة، والسبب لا يعود فحسب إلى أن كاتبه واحد من هؤلاء الذين أفنوا أعمارهم في خدمة هذا الوطن والذود عن أمنه ومصالحه، أو لمكانته الرفيعة في أوساط المثقفين العرب والمسلمين، وإنما أيضا لمضمونه الدسم الذي جمع بين توصيف دقيق للأزمة الإسلامية الراهنة وتصور واضح للخروج منها، فضلا عن تحديد للأدوار والواجبات والمقاصد.
بالنسبة لي تمثل كتابات الفيصل -على ندرتها- فرصة عظيمة للإمساك بخلاصة سياسية أو إنسانية أو ثقافية تساعدني في الفهم والتحليل والتوقع، سواء بحكم ما تحمله من إجابات وافية عن أسئلة مُلحة ومعقدة، أو بما توفره من إضاءات معلوماتية وتحليلية بشأن قضايا قد تلتبس على البعض، فلا تتبين فيها الحقيقة من الادعاء.
والحق أن المقال الأخير قد جمع الأمرين معا، بل وزاد عليهما فعرض رؤية للمستقبل أحسب أنها جديرة بأن تكون موضوعا لنقاش عام، ثم أساسا لتعامل هادئ ومدروس مع الأخطار التي تواجه أمتنا منذ سنوات.
وتقديري أن الأمير خالد الفيصل اختار بعناية كبيرة مدخله لتقديم تلك الرؤية، فقد بدأ من مقدمة متفق عليها، تتمثل في أن احتماء المملكة بالشرع الحنيف هو الذي ضمن لها أن تحقق إنجازاتها المشهودة في زمن قياسي، ثم بيّن بشكل موجز -لكنه دقيق- مدى الخطر الذي يتعرض له الإسلام جراء التحالف العجيب بين أعدائه من جهة وبعض الجهلاء المنتسبين له من الجهة الثانية، وهي بداية تأسست عليها رؤية الفيصل للحل، فكان طبيعيا أن تتسم بذات التماسك والمصداقية والوضوح.
في تلك الرؤية، حمّل الفيصل المملكة مهمة تلبية نداء الإسلام، معتبرا أن ما تحوزه من مزايا يجعلها أحق البلدان بقيادة هذه المعركة، فهي من جهة أنجح تجربة للوحدة العربية في العصر الحديث، كما أنها الدولة الوحيدة في العالم التي يبايع فيها الناس قياداتهم على تحكيم الكتاب والسنة في كل شؤون الدين والدنيا، وهي أيضا الدولة التي اختصها الله بأوّل بيت وضع للناس "الكعبة" في مهبط الوحي مكة المكرمة.. ومسجد رسوله -صلى الله عليه وسلم- في المدينة المنورة.
أما الدور المنوط ببلاد الحرمين، فلا يتطلب غير تمثل الإسلام الصحيح، بحيث نكون – نحن السعوديين – قدوة في كل فعل وقول، وأن نجتهد لنطور بلادنا لتكون من بلدان الريادة في العالم: علما، وإدارة، وصناعة، واقتصادا، وتقنية. وبقول الفيصل فإن "الإنسان السعودي هو المؤهل اليوم للقيام بدور القدوة والأنموذج للإنسان المسلم المتحضر المؤمن القوي الأمين، والدولة السعودية هي المؤهلة اليوم لتطوير نفسها لتقود العالمين الإسلامي والعربي، ولتصحح المفهوم المغلوط عن الإسلام.. والنظام السعودي هو القادر أن يجعل من نفسه النظام الأنموذج للنظام الإسلامي الصحيح الأمثل لكل المسلمين".
ومع اعتقادي بأن هذه الرؤية تحتاج من الأمير خالد الفيصل للتعزيز بمزيد من المقالات التفصيلية، فإنني أثق بأن ما تضمنته يمكن أن تنقل العقل السعودي، بل والوعي والوجدان أيضا، إلى مرحلة جديدة يتم فيها كل شيء تلبية لـ"نداء الإسلام" لا لأننا مسلمون فحسب، وإنما أيضا لأننا "البلد النموذج".