لم تنقض سوى عدة أيام على الرسالة الصوتية التي وجهها أبو محمد العدناني المتحدث الرسمي لتنظيم داعش الإرهابي المعلنة بمناسبة شهر رمضان، والتي توعد فيها بمزيد من "النكسات"، ودعا أتباع النظام حول العالم إلى تصعيد الهجمات خلال رمضان المبارك وخص بالذكر الهجوم على: المسيحيين، والشيعة والسنة الذين يقاتلون ضمن التحالف، مؤكدا تحويل رمضان إلى شهر "وبال على الكافرين" و"الشيعة" و"المرتدين" قائلا: "أفضل القربات إلى الله الجهاد، هنيئا لمن أمضى رمضان غازيا في سبيله".

ويلحظ أي متابع لهذا التنظيم الذي مرّ عام واحد على إعلانه دولة الخلافة الإسلامية كما يزعمون بزعامة أبي بكر البغدادي، أنهم أعلنوا عن أنفسهم في بداية شهر رمضان العام الماضي، وتوعدوا العالم ومن يخالف مبادئهم بالويل والدمار والدماء وهذا بالفعل ما حدث، وما رأيناه منهم خلال الاثني عشر شهرا المنصرمة، وهو ما دأب عليه هؤلاء القتلة حتى من قبل إعلان خلافتهم من أعمال إجرامية وإرهابية خلال رمضان بالذات في السنوات الماضية، مبررين استغلال روحانية هذا الشهر ومكانته الدينية العظيمة للقيام بأعمال بزعمهم أنها جهادية وأنها في سبيل الله ولرضاه.

إن ما حدث مؤخرا في الجمعة الرمضانية الثانية الدامية من تفجير لجامع الإمام الصادق في دولة الكويت الشقيقة الذي نتج عنه استشهاد 28 مصليا وخلّف أكثر من 200 مصاب، وما وقع من تفجير إرهابي آخر استهدف عددا كبيرا من السياح الأجانب على أحد الشواطئ الآمنة في دولة تونس الشقيقة؛ لم تكن أعمالا مستبعدة على داعش ونهجها الدموي وغير الإنساني، ولا استغلال هذا الشهر مستبعد أيضا، خاصة وقد نشر ما يؤكد هذه النوايا الخبيثة.

حينما يهدد "العدناني" ومن خلفه داعش ومن والاه من يسمونهم بالمرتدين، ويقسم أن شهر رمضان المبارك سيكون شهر "وبال على الكافرين" فإنه هنا لا يقصر تهديده على الشيعة الذين يخالفونه في المذهب وبعض الأمور الخلافية ويتفقون معه في العقيدة والأصول، ولا على المسيحيين المسالمين في أوطاننا أو في بلادهم، ولا على السنة الذين ينتمون لنفس مذهبه، ولكنهم حسب أمزجة فقهائهم يُصنفون من المخالفين، بل إنه يهدد كل من لا يتفق معهم في نهج القتل والتفجير والترويع وخيانة الأوطان. هم يرون في كل إنسان سانحة لهدف دامٍ، وسيجدون لهم ما يبرر قتله ببساطة، بل ويغلفون هذا التبرير بالدين والثواب وواسع الجنان.

ينظرون إلى رجال الأمن كأعداء يستبيحون دماءهم، وفي كون الإنسان -أي إنسان- يمارس حياته بحرية وببساطة سببا لممارسة تفجيرهم وفتنهم وتأليبهم. لا يقفون عند اختلاف الأديان أو المذاهب، بل حتى من يختلف معهم في مظهرهم ويتخذون من ذلك مقياسا، إن الكافر الذي تتوعده داعش بالوبال والقتل واستباحة الدماء، هم أنت، وأنا، وجميع الذين تجمعهم الإنسانية السوية ودين الفطرة.

وهذا الترويع الذي يمتد من وطننا ويمس البلاد الأخرى نراه الآن يضرب كخبط عشواء في كل مكان، وبتمكن ومهارة التنظيمات العالمية التي تعرف ماذا وكيف تفعل. لا يهم الناس البسطاء والآمنين، الراكضين خلف أحلامهم وحياتهم، من أي رحم بلاء خُلقت داعش؟ ولا أي سياسات خفية أو معلنة تقف خلفها، ولا عن ماهية الدوافع المختلفة التي تحركها ولا يظهر لنا منها سوى راية سوداء ترفرف حاملة الشهادتين عليها، ما يهمنا ويؤلمنا أن نجد أسماء أبنائنا وملامحهم وأصواتهم هي الوقود لهذا الجحيم، وهي المحرك لكثير من العمليات الانتحارية.

ما يهمنا هو معرفة أي تربية وتعليم تلقوها ليسهل اصطيادهم وغسل عقولهم ودمغها بالإجرام باسم الله؟ ثم الزج بهم مدججين بأحزمة ناسفة ورشاشات وأسلحة يكبّرون قبل استخدامها. ما الذي كانوا يقرأونه في الكتب التي تمر عليهم -إن قرأوا- وما الذي كانوا يسمعونه ممن يعتلي المنابر ومن البرامج خلف الشاشات والإذاعات؟ كيف أصبح التكفير سهلا مشاعا لا خوف من اتهام الآخرين به أو خلعه على الناس رغما عن تدينهم؟ من أقنعهم أنه لا يحول بينهم وبين الجنة إلا دمُ إنسان مسلم أو غير مسلم، وأن رضا الله عليه لن يتحقق إلا بخلاص روح شيعي أو سني؟ من حوّل صورة الإسلام والتدين لصورة تخيفنا نحن من ندين به قبل الآخرين؟

حينما نبدأ في نقد ذواتنا ومخرجاتنا ونعمل على تنقيتها ممن أوصل البلاد والعباد لهذه الحال، ونلتفت للشباب المعطلين فكريا والمتعطشين للتكفير والانقسام والتصنيف والأفضلية على حساب الآخر، فسيكون الإمساك برأس الأفعى همًّا قد نبحث خلفه، أو على الأقل الحديث عنه؛ لأننا وقتها نضمن أن لدينا من الوعي ما يحفظ لنا هذا الوطن ومن فيه من جميع مكوناته على اختلاف مذاهبهم وتفكيرهم وانتماءاتهم، ما يحفظهم آمنين مسالمين مطمئنين ألا يخرج من ضلعهم من يكفّرهم ويستبيح دماءهم أو ينهي حياتهم ساجدين أو راكعين.