بعد مضي أكثر من 9 أشهر والقيام بأكثر من 36 ألف غارة جوية على مواقع شياطين "داعش" في العراق وسورية، تخفق الحملة الأممية المكونة من 40 دولة في هزيمة الإرهاب، لأن انتشاره في بعض دولنا العربية جاء نتيجة حتمية لتدهور اقتصادياتها، وانتشار الأمية والبطالة والفقر والمرض بين مجتمعاتها؛ مما أدى إلى ظهور شرائح هامشية منحرفة من فئات الضلال الموجهة تجاه الجريمة والإرهاب.
ولقد أدت البطالة في العديد من الدول العربية والإسلامية إلى تفاقم أوضاعها المعيشية وتشريد شبابها وزيادة وطأة العازة في مجتمعاتها. لذا لم تحصل دولة إسلامية واحدة على مقعدها بين أفضل 15 دولة في العالم في مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2014، بل جاءت إيران في المرتبة 146، وليبيا في المرتبة 149. كما لم تحقق دولة عربية واحدة مكانتها بين أفضل 30 دولة في العالم في مؤشر التنمية البشرية، بل جاءت السوادان في المرتبة 166، وتراجعت اليمن إلى المرتبة 154، وموريتانيا إلى المرتبة 156، والعراق إلى المركز 120. وفي مؤشر مدركات الفساد احتلت الصومال والعراق ونيجيريا وأفغانستان آخر المراتب بين 176 دولة حول العالم.
لذا جاء المؤشر العالمي للإرهاب، الشامل للعمليات الإرهابية التي تمت في 158 دولة، ليؤكد مجدداً أن أكثر دول العالم تأثراً بالهجمات الإرهابية خلال العقد الماضي هي 6 دول إسلامية، تبدأ بالعراق ثم الباكستان وأفغانستان واليمن والصومال ونيجيريا. فمنذ 11 سبتمبر 2001، وصل عدد ضحايا الإرهاب من العراقيين إلى 33% من إجمالي ضحايا الإرهاب في العالم، بينما يشكل مجموع ضحايا الإرهاب في كل من العراق وباكستان وأفغانستان نسبة 50% من ضحايا العالم، وذلك نتيجة لتضاعف حدة البطالة والفقر والمرض والفساد بنسب غير مسبوقة في هذه الدول منذ عام 2001. كما أشارت الإحصائيات إلى أن العمليات الإرهابية في هذه الدول خلال العقد الماضي تضاعفت 400% ليشكل المسلمون 89% من المتضررين من هذه العمليات.
هذه الإحصائيات تؤكد أن الإرهاب لا علاقة له بالدين أو السياسة، بل هو صنيعة الاقتصاد ونتيجة حتمية للبطالة؛ لذا لجأ أعداء العالم العربي والأمة الإسلامية إلى ابتداع الفوضى الخلاقة في دولنا لضرب اقتصادياتها وتهيئتها على عتبة الإرهاب. فمنذ صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379 وتاريخ 10 نوفمبر 1975 بموافقة 72 دولة ورفض 35 وامتناع 32 دولة عن التصويت، الذي حدد: "أن الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، وأن على جميع دول العالم مقاومة الأيديولجية الصهيونية التي تشكل خطراً على الأمن والسلم العالميين"، بدأت القوى الصهيونية في العالم تخطط مع حليفاتها لنقض هذا القرار من خلال تنفيذ مبدأ الفوضى الخلاقة في الوطن العربي واستنزاف اقتصادياته، وخلق فئات الضلال وأحزاب الهلاك والدمار، وإضرام نار الطائفية والعقائدية بين مجتمعاته.
خلال عقدين من الزمن تجاوب مجتمعنا العربي مع هذه الخطة، فبدأت سورية باحتلال جارتها لبنان في يناير 1976، وتبعتها العراق باحتلال جارتها الكويت في أغسطس 1990، واشتدت وتيرتها بالهجوم الإرهابي على أمريكا في سبتمبر 2001، لتنطلي تهمة الإرهاب على الشعوب العربية والأمة الإسلامية، مما نتج عنه إلغاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، القاضي بتجريم الصهيونية، بموجب القرار رقم 46/86 وتاريخ 16 ديسمبر 1991.
واستمر مبدأ الفوضى الخلاقة بالانتشار في العراق لينخفض الدينار العراقي أمام الدولار الأمريكي من 3 دنانير إلى 1116 دينارا خلال عقدين من الزمن، وصاحب ذلك انخفاض عوائد النفط، الذي يشكل 90% من دخل الدولة، وتراجع قطاع الزراعة بنسبة 52%، وقطاع الصناعة بنسبة 46%، مما أدى إلى خسارة الدولة العراقية لأكثر من 6 تريليون دولار خلال 20 عام، وتلاشي 80% من عوائد خزينتها، وارتفاع البطالة بين مواطنيها إلى 41%، وتضاعف أعداد الجرائم الأخلاقية في مجتمعها بمعدل 430%.
لذا احتل العراق في العام الماضي المركز الرابع قبل الأخير في مؤشر الإرهاب الدولي الذي قضى على نصف مليون عراقي، والمرتبة 130 على مؤشر القوة الاقتصادية، والمرتبة الثالثة قبل الأخيرة في مؤشر الفساد العالمي.
أما اليمن (السعيد)، فمنذ اندلاع الفوضى الحوثية غير الخلاقة تفاقمت خسائره الاقتصادية بمعدل 10 مليارات دولار سنوياً، لتعادل 34% من الناتج المحلي الإجمالي، مما تسبب في خراب ودمار مرافق الدولة الاقتصادية، ودفعها لاستيراد 60% من احتياجاتها النفطية، و80% من موادها الغذائية. وهذا أدى بدوره إلى تجميد أكثر من 120 مشروعا استثماريا خليجيا، وهروب 58% من رؤوس الأموال اليمنية، وخروج 34 شركة نفطية أجنبية من مواقعها، الأمر الذي فاقم عجز المالية العامة، التي يشكل فيها النفط 70% من مواردها و90% من عائدات نقدها الأجنبي. ونتيجة لذلك ارتفعت نسبة البطالة بين شباب اليمن إلى 60%، فأصبح 45% من مواطنيه يعيشون تحت خط الفقر، وزاد معدل التضخم في مؤشر أسعار المستهلك إلى 20%، ليحقق اليمن اليوم المركز الرابع بين دول العالم على مؤشر الإرهاب، متسابقاً بذلك مع العراق وأفغانستان والصومال.
ويجب ألا ننسى تفاعل سورية وليبيا ولبنان مع مبدأ الفوضى الخلاقة ونتائجها الوخيمة على كساد اقتصادياتها وانتشار الإرهاب بين شعوبها. لذا على دولنا العربية أن تقتنع بأنها لن تنجح في القضاء على شأفة الإرهاب إلا إذا أبدعت في اقتصادياتها وألغت البطالة من مجتمعاتها. فلا علاقة للإرهاب بالدين أو السياسة.