في استشراف للمستقبل من ثالث ملوك الدولة السعودية الملك الشهيد فيصل بن عبدالعزيز قبل 53 عاما، تعيش قطاعات كبيرة من الأقطار العربية والإسلامية تحت وطأة أحداث عاصفة، كثير منها مخضب بالدماء، كنتيجة لنجاح الاستعمار في تطبيق طريقة محاربة الإسلام بالمسلمين أنفسهم، وهو ما كان قد حذر منه الملك فيصل منذ خمسة عقود، بحسب وثيقة حصلت "الوطن" على نسخة منها من الباحث جابر عبدالله الغامدي، عبارة عن الصفحة الأولى لصحيفة قريش في عددها الصادر يوم الرابع من يوليو 1963، ونقلت عن الملك فيصل قوله "وأخيرا لجأ الاستعمار إلى محاربة الإسلام بالمسلمين أنفسهم"، والتي اعتبرها الملك الشهيد طريقة جهنمية نجح الاستعمار في تطبيقها بعد أن فشل في أن يسلك كثيرا من الطرق الأخرى.

إلى ذلك، يواصل معرض "الفيصل.. شاهد وشهيد" المقام في متنزه الردف بمحافظة الطائف استقطاب المئات من الأهالي والزوار يوميا لمعاينة ورصد وثائق وصور الملك الراحل.




على الرغم من وفرة الوثائق التي يقدمها معرض "الفيصل.. شاهد وشهيد" المقام حاليا في متنزه الردف في الطائف، وعلى الرغم من أهميتها وتوثيقها مسيرته الحافلة بالإنجاز والعطاءات، والتي جعلت منه قائدا استثنائيا بمواقفه وسياساته، إلا أن وثيقة من صحيفة قريش في عدد لها صدر قبل 53 عاما، حصلت عليها "الوطن" من الباحث جابر عبدالله الغامدي، جاءت لتعلن أن الملك الشهيد امتلك قدرة استثنائية أيضا في قراءته التاريخ، والمستقبل، وفي استشرافه أحداثا يعاني واقعنا العربي والإسلامي وطأتها اليوم.

وتعرض الوثيقة وهي الصفحة الأولى لصحيفة قريش في عددها الصادر بتاريخ 4 يوليو 1963 لتلبية (الأمير فيصل بن عبدالعزيز) دعوة عمد مكة المكرمة له على العشاء، معنونة لتغطيتها الحفل الذي أقيم بهذه المناسبة بقول "سمو الأمير فيصل المعظم يقول: أنا ابن مكة وابن الرياض وابن بريدة وابن أبها".

ثم تواصل بنقل قوله "وأخيرا لجأ الاستعمار إلى محاربة الإسلام بالمسلمين أنفسهم".

وفي متن التغطية تنقل المجلة عن الفيصل قوله "لسوء الحظ أغلب المسلمين اليوم لا يعرفون حقيقة دينهم، ليس عندنا في هذا البلد، وإنما في كل بلاد العالم، والسبب في ذلك أنه مرت على المسلمين حقبة حُكموا بالاستعمار، فصدهم عن دراسة دينهم وشريعتهم، ووجههم وجهات أخرى لدراسة المبادئ والتيارات والأهداف التي يريد من ورائها القضاء على الإسلام، حاول الاستعمار أن يقضي على الإسلام بالقسوة فلم يقدر، حاول الاستعمار أن يقضي على الإسلام بالاحتلال والخبث فلم يتمكن، حاول الاستعمار أن يقضي على الإسلام بمحاولة المحو والإبادة فاحتار في الأمر، وأخيرا لجأ إلى طريقة جهنمية، وهي أن يحارب الإسلام بالمسلمين، ولسوء الحظ نجحت هذه الطريقة فأصبح المسلمون متنكرين بعضهم للبعض الآخر، وأصبح المسلمون يتشككون في بعضهم البعض، وعزفوا عن دراسة دينهم، وعزفوا عن معرفة تاريخهم، وتاريخ أمتهم، وتاريخ أسلافهم".

وبدت قراءة الملك (الأمير فيصل) للجوء إلى محاربة الإسلام بالمسلمين أنفسهم، أشبه ما تكون بالنبوءة المبكرة منه للكم الكبير من الإساءات التي سببها بعض المسلمين للإسلام وصورته وتسامحه وبعده عن الغلو والتطرف والعنف.

ويعاني الإسلام منذ سنوات عدة غلو المتطرفين الذين رسموا صورة مغالية في العنف عنه، وكرسوا فوبيا الإسلام في كل مكان، حيث ربطوا بين صورة المسلم وصور العنف والدم والتعدي على الحضارات ورفض الآخر ومحاولة إقصائه.

وتثير هذه القراءة المبكرة لاستخدام المسلمين أنفسهم للإساءة إلى الإسلام كثيرا من التساؤلات حول دور بعض المراكز والمعاهد والدعاة في تجاهل مثل هذا التحذير وعدم التعاطي معه بما يستحق، وبما يحفظ للإسلام صورته الناصعة التي لطخها بعض المسلمين أنفسهم نتيجة قلة الوعي بالمخاطر التي تهددهم.