في حمأة صخب وفجور "داعش" وما تقوم به من تفجيرات جبانة في دور عبادة آمنة بالمنطقة، تتوارى عن الرأي العام جريمة منتظرة بحق سبعة آلاف سني في سجون العراق.

مجرد ذكر سجن "الناصرية" أمامي، ينقبض قلبي، وتستفز كل حواسي، فلن أنسى أبدا أبناءنا السعوديين المعتقلين فيه من عشر سنوات وأزيد، وقد تداخلوا معي في حلقاتي الفضائية عنهم، وشاركوا عبر الهاتف وعلى الهواء مباشرة بعد أن رشوا آمر السجن هناك، ونقلوا معاناتهم الأليمة للرأي العام السعودي قبل أعوام. ويكفي القارئ الكريم –لمعرفة وحشية هذا السجن- أن بعضهم كان يسأل عن جواز قتل النفس والانتحار؛ فكاكا من التعذيب الوحشي الممارس عليهم بروح طائفية.

سجن "الناصرية" هذا، وغيره من سجون العراق، أُصدر خلال الأيام الماضيات قرار إعدام بحق 7000 من السجناء، ومعظمهم من سنّة العراق، من محافظات بغداد والأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالى وكركوك والبصرة، وجميعهم اعتقلوا تحت طائلة المادة الرابعة من قانون مكافحة الإِرهاب.

 وقد وقع على قرار إعدامهم رئيس الوزراء حيدر العبادي، وخول وزارة العدل بتنفيذ أحكام الإعدام خلال 30 يوما في حال عدم مصادقة رئاسة الجمهورية الحالية عليها، حيث إن الرئيس العراقي لم يوقع حتى الآن، مما يمنح فرصة لمنظمات حقوق الإنسان، ولرؤساء الدول أن تمارس ضغطا لإيقاف هذا الإعدام الجائر.

للأسف، إن هذه التصفيات الجسدية تدخل ضمن الاحتقان الطائفي الذي يسربل المنطقة، ويشارك في زفتها كثير من المرجعيات الدينية لدى طائفتي السنة والشيعة، بلهَ عن كثير من المثقفين الذين ينظرون إلى القضية بأعين عوراء منحازة لطرف ضد آخر، دون أن أي معرفة بالخلفيات العقدية والسياسية للقضية، وإلا فخبر إعدام هاته الألوف لا يثير اهتمامهم، وتراهم منتفضين إذا كانت الضحايا من الطائفة الأخرى.

"داعش" تريد أن ينفجر الاحتقان الطائفي في المنطقة بأسرها، وهم رأوا آثار الفوضى التي تحدثها الحرب الطائفية في العراق وسورية، والتنظيم المتطرف هذا كالجراثيم التي لا تنمو ولا تتكاثر في ظروف المرض والصراع والفوضى.

 حاول إحداث ذلك في السعودية، ولكن الله لطف بنا أن تندلع؛ لحكمة القيادة التي احتوت الموقف، ولإيمان جلّ المواطنين الشيعة بأن التماسك والتشبث بالوحدة الوطنية والالتفاف حول القيادة هو السبيل الوحيد لتمرير مخططات الأعداء، إنْ من "داعش" أو من إيران.

اليوم ينتقل "داعش" إلى الكويت في تلك الجريمة المروعة في مسجد "الصادق"، وظني أنهم لن يتوقفوا، وستنتقل إلى البحرين وقطر والإمارات وعمان، فقط لإحداث الفتنة الطائفية، وضرب المجتمعات الخليجية من داخلها، وعندما ستقوم الحكومة العراقية بتنفيذ حكم الإعدام الجائر بحق 7000 سني، ويصرّ العبادي على تنفيذها حتى لو لم يوافق الرئيس العراقي، بل ويقف شخصيا ضد قانون العفو الذي سيصوت البرلمان العراقي عليه، والذي من شأنه أن يقلل عدد المحكوم عليهم بالسجن، فيما المرجعية الشيعية العراقية ترفض رفضا قاطعا قانون العفو العام وتهدد بالتظاهر في بغداد في حال إقرار القانون. فتصوروا كيف أن تلك الممارسات الطائفية سيستخدمها "داعش" لإذكاء الحرب بين السنة والشيعة، وتعطي لكثير من تبريراته مصداقية لدى شباب السنة، الذين سيلتحقون زرافات به.

لكل من تصدى للقضية الطائفية أقول:  انظروا إلى المسألة باعتدال وتوازن، ولا تطيروا في "العجة" دون تبصر ومعرفة، فبنفس القدر الذي نشجب ما يمارس ضد الشيعة في دور عبادتهم، نشجب الممارسات والأحكام الطائفية ضد إخوتنا السنة.

أتمنى أن أسمع صوت إخوتنا من مرجعيات الشيعة ومثقفيهم بالاستنكار على قرار إعدام الـ7000 سني بالعراق.