من أجمل الأنباء التي تابعتها مؤخرا هو افتتاح ي وزير البترول والثروة المعدنية المهندس على النعيمي مركز "أرامكو السعودية" للبحوث في بكين، وحتى إن جاء هذا المركز البحثي متأخرا والذي يقع على مساحة 4400 متر مربع في العاصمة الصينية إلا أنني أجزم أنه من أهم المشاريع الوطنية التي أتنبأ لها بمستقبل باهر، فكل المؤشرات والعوامل تشير إلى أن هذا المركز سيكون نقلة نوعية في مسيرة تطوير أهم مصادر الطاقة العالمية عبر أرامكو، شركة النفط الأضخم في العالم.

لدى أرامكو مراكز بحوث عدة بعضها في أرض الوطن وبعضها في مختلف مدن العالم مثل: هيوستن وديترويت وبوسطن بأميركا الشمالية، وفي مدن أوروبية عدة مثل أبردين وباريس، ودلفت في هولندا وأيضا في دايجون بكوريا الجنوبية، ولكن المركز الأخير في بكين أعدّه من أهمها، لأنه زرع على أرض خصبة غنية ونشطة تبشر بحصاد وفير، واختيار هذا الموقع المناسب يهدف إلى الاستفادة من الخبرات الواعدة في دولة الصين، الدولة التي حققت قفزات هائلة في مجال الإنفاق على البحث والتطوير، فهي تنفق 300 مليار دولار سنويا على الأبحاث والتطوير وهذا الرقم في تزايد، إذ إنه من المتوقع أن تتجاوز الصين عام 2018 كل دول أوروبا في مجال الإنفاق البحثي وستتجاوز أميركا بحلول عام 2022.

اختيار بكين من قِبل أرامكو لمركزها البحثي سيساعد بشكل كبير في تطوير صناعة الطاقة، وستستخدم أرامكو هذا المركز البحثي منصةً لتطوير آخر ما توصلت إليه التقنية، خاصة في مجال التنقيب والإنتاج والتكرير والمعالجة وتطوير الطاقة المتجددة، وذلك باستفادتها من خبرات الأكاديميين الصينيين المتميزين في مجالات البحوث التطويرية، وأتمنى أن أرى نتائج هذه الخطوة المباركة من أرامكو لأرى ماذا سيفعله مركز بحثي يقع في مسقط رأس أكثر من مليون باحث صيني في كل المجالات، ويمتلك بعضهم خبرات ذائعة الصيت عالميا، خاصة في مجال الكيمياء والمعالجة المتطورة للزيت، وأترقب بشغف ما الذي سيفعله مركز متطور وسط كل هذه العقول المتعطشة للبحث والتطوير والركض خلف النتائج المبهرة.

تعاون أرامكو مع أعرق الدول البحثية سيجني ثماره الوطن قريبا، خاصة حين نرى هذا المركز البحثي وهو يسهم في تطوير أهم مصادر ثروة البلد وهم الشباب السعودي، الباحثون في درجتي الماجستير والدكتوراه، خاصة الطلاب السعوديين المنتسبين إلى جامعات الصين واليابان وكوريا، وذلك بإشراكهم عبر هذا المركز مع الخبرات الصينية، وفتح نافذة كبيرة لهم تمكنهم من العمل على بحوثهم الدراسية، ومحاولة إدراجها ضمن أهداف مركز أرامكو للبحوث والتطوير في بكين.

من العوامل التي تشير إلى نجاح هذا المركز ليس فقط لأن الصين دولة تزخر بالباحثين، بل لأنها فتحت أبوابها للطلاب الأجانب، إذ وصل عددهم إلى أكثر من 300 ألف طالب أغلبهم من الباحثين، وجامعات بكين وحدها تعهدت بجذب أكثر من 180 ألف طالب جديد قبل حلول عام 2020، وهذا عامل مساعد لنجاح  مركز أرامكو للبحوث وذلك من خلال استقطابه للباحثين المتميزين ودمجهم في المركز بالتعاون مع جامعات بكين.

البحوث هي أساس أي تطوير، وسعي أرامكو لتطوير نفسها وذلك بافتتاحها الأسبوع الماضي مركزها البحثي في بكين يدل على أن هذه الشركة الرائدة لا تكتفي بالقمة، بل تؤمن بأن القمة ليست نهاية المطاف. تعمل بجهد وجد للتوصل إلى آخر التقنيات التي تخدم عمليات صناعة النفط، بل تبادر بالبحوث والتطوير والدراسات التي تسهم بنتائجها المتميزة في رفع كفاءة إنتاج النفط، ويتم توظيف هذه النتائج فورا في منظومة عمل شركة أرامكو الكبيرة بكل أقسامها وخطوطها الإنتاجية.

في الوقت الذي تبني فيه الصين طريق الحرير لاختراق الاقتصاد الأوروبي والاستغناء عن قناة السويس في نقل صادراتها، وذلك عبر تشييدها شبكات من سكك الحديد وأنابيب النفط والغاز وخطوط الطاقة الكهربائية والإنترنت في مناطق غرب وجنوب آسيا باتجاه اليونان وروسيا وعمان، قمنا نحن ببناء طريق حرير فكري وبحثي يربط بكين بالرياض ويربط الصين بالسعودية، فمركز "أرامكو السعودية" للبحوث في بكين هو طريق الحرير الفكري، لا ننقل خلاله الصادرات الصينية التجارية والصناعية، بل ننقل خلاله العقول والبحوث والتجارب ومصادر التطوير والخبرات الصينية العريقة.