??التفجير الآثم الذي وقع في الكويت يوم الجمعة الماضية، وراح ضحيته سبعة وعشرون شهيدا وعشرات الجرحى، أتى ليؤكد أن "داعش" التي تبنت التفجير الانتحاري عازمة على الاستمرار في تحدي الدول، والعمل على بثّ الرعب بين الآمنين من خلال اللعب على وتر الطائفية بهدف التفريق بين مكونات المجتمع الواحد.
يبدو أن داعش أخطأت في اختيار الكويت كمحطة ثانية لها بعد السعودية، والتي بسبب تضييق الخناق عليها وفشلها في تهييج الشارع الشيعي السعودي قررت التوجه إلى دولة تتصف بمكون شيعي قوي من ناحية العدد والتمثيل السياسي، إلا أن داعش ومخططيها الاستراتيجيين في تقديري غفلوا عددا من المعطيات المهمة، والتي يتصف بها المجتمع الكويتي بالعموم.
قبل عامين عايشت عملية الانتخابات البرلمانية الكويتية عن قرب إثر دعوة رسمية تلقيتها من وزارة الإعلام الكويتية للاطلاع على تلك التجربة، وقد سجلت حينها عددا من الانطباعات نشرت في تغطية ومقال في هذه الصحيفة، والمؤكد هو أن الصراع الطائفي أو لنسمّه الاختلاف الطائفي لديهم لا يمكن له أن يتحول إلى عمل عسكري أو انتقامي أو دموي بأي شكل كان؛ وذلك لعدة اعتبارات من أهمها، أنه مجتمع لديه قنوات عديدة للتعبير عن معارضته لأي قرار، أو اختلافه مع أي طرف، أو غضبه لأي تصرف، فقد تربى الإنسان الكويتي على أن لديه حرية في التعبير عن رأيه في بيئة يكفلها له القانون، وبالتالي فلم يعتد أو يجد مبررا لأن يلجأ لفرض رأيه بالقوة.
كما أن الاختلاف الطائفي في الكويت يذوب بشكل ملحوظ في الدوائر الحكومية والأسواق التجارية والجمعيات التعاونية والزيارات الاجتماعية، فلا يوجد تصنيف يقسم المناطق والمواطنين على أساس طائفي، ولا يوجد تمييز لطرف على الآخر، لا من حيث التمثيل البرلماني ولا من حيث الحقوق والواجبات.
الاعتقاد أن ما حدث في العراق قابل لأن يحدث في الكويت لتشابه الظروف الاجتماعية يغفل وجود فروق جوهرية بين البلدين من أهمها، أن العراقي خضع لحكم دكتاتوري أرجعه حضاريا وفكريا واقتصاديا عشرات السنين، بينما الكويتي ازدهر اقتصاديا وانفتح فكريا وتقدم سياسيا.
اختيار الكويت كوجهة ثانية حاولت داعش خلالها زرع الفتنة الطائفية بين أبناء البلد الواحد، يثبت إلى حد كبير غباء العقلية التخطيطية الداعشية، ولكنه في الوقت ذاته يؤكد أهمية وضرورة أن تعمل دول الخليج جميعها بشكل أكبر في تعاونها لمحاربة هذا الوباء الفكري القاتل الذي يهدد الجميع.